القسم الثالث : أن يعلم المكلف بوجوبه عليه لكن لم يدخل وقته  إما أن يكون موسعا كما لو قال : اقتلوا المشركين غدا ، ثم نسخ عنهم في ذلك اليوم ، أو يكون على الفور ، ثم ينسخ قبل التمكن من الفعل ، أو يؤمر بالعبادة مطلقا ، ثم ينسخ قبل مضي وقت التمكن من فعلها . فهاهنا اختلفوا ، فذهب الجمهور من أصحابنا وغيرهم إلى الجواز ، ونقله  القاضي أبو الطيب  ، وسليم  عن أكثر أصحابنا ، ونقله ابن برهان  عن الأشعرية  وجماعة من الحنفية . ونقله غيرهم عن معتزلة البصرة  ، قال القاضي  في " التقريب " : وهو قول جميع أهل الحق .  [ ص: 227 ] وذهب أكثر الحنفية كما قاله ابن السمعاني  ، والحنابلة ، والمعتزلة  ، ومنهم من قيده بمعتزلة بغداد  ، إلى المنع . وقال إلكيا الطبري    : إنه قول الفقهاء ، ولهذا حد النسخ باللفظ الدال على زوال مثل الحكم الثابت في المستقبل . قال وإنما منعه الأشاعرة    . وقال  القاضي عبد الوهاب    : وهو قول شيوخنا المتكلمين    . قال ابن برهان    : وإليه ذهب الصيرفي  وكثير من أصحابنا ، وعامة المعتزلة  وقال صاحب " المصادر " : إنه الصحيح ، وهكذا حكى  القاضي أبو الطيب  ، وابن السمعاني  المنع عن الصيرفي    . ونقل صاحب " الكبريت الأحمر " عن الصيرفي  الجواز ، وهو الذي رأيته في كتابه . قال : وهو مذهب أبي بكر الدقاق  ، وعليه مشايخ ما وراء النهر . وذكر البزدوي  أن التمكن من أداء العبادة ليس بشرط في نسخها ، وإنما المشروط هو التمكن من العزم . وقال صاحب " اللباب " : اختلفوا في التمكن من الفعل ، هل هو شرط لجواز النسخ ؟ قال بعض المحققين من أصحابنا مثل :  أبي بكر الجصاص  ، والقاضي أبي زيد  ، وغيرهما ، وعامة المعتزلة    : إنه شرط . وقال بعض مشايخنا ، وعامة أصحاب  الشافعي    : ليس بشرط ، حتى لو كان الأمر معلقا بوقت جاز نسخه قبل مجيء الوقت . وكذلك إذا كان منجزا غير معلق ، لكن لما لم يتمكن من الامتثال به فيه وقع الخلاف . وأجمعوا على أن التمكن من الاعتقاد شرط . ا هـ . 
وقال شمس الأئمة السرخسي    : شرط جواز النسخ عندنا التمكن من عقد القلب ، وأما الفعل والتمكن منه فليس بشرط ، وعند المعتزلة  التمكن من الفعل شرط . قال القاضي  في " التقريب " : قال أهل الحق : لا نسخ على  [ ص: 228 ] الحقيقة إلا قبل دخول الوقت . قال : واختلف المجوزون لنسخ الشيء قبل وقته ، فقيل : يجوز مطلقا ، وله أن ينهى عن نفس ما أمر به قبل دخول وقته . وقيل : إنما يجوز بشرط أن ينهى على غير الوجه المأمور بإيقاعه عليه ، فلا يجوز أن ينهى عنه في ذلك الوقت على ذلك الوجه الذي تناوله الأمر عليه . واختلفوا في وجه المغايرة على طرق : إنما يؤمر بالفعل بشرط بقاء الأمر ، فإذا نهي عنه قبل وقته زال الأمر به ، فصار لذلك مأمورا به على وجه ، ومنهيا عن إيقاعه على غير الوجه الذي تناوله الأمر . وقيل : إنما يؤمر بالفعل في الوقت مع انتفاء النهي عنه بدل الأول مع بقاء الأمر . وقيل : إنما يؤمر بالفعل بشرط أن لا يمنع منه . وقيل : بشرط أن يختاره المكلف ويعزم عليه ، فإذا نهى عنه فإنما ذلك لعلمه بأنه لا يختاره ، ثم قال القاضي    : والمختار عدم القول بالحاجة إلى شيء من ذلك . قال بعضهم : وحاصل الخلاف يرجع إلى أن الأمر قبل التمكن هل هو ثابت موجود بالفعل فيصح نسخه ، أو غير ثابت فلا يصح ، كما تقدم في مسألة خطاب الكفار بالفروع ؟ واستشكل بعضهم فائدة الأمر على تقدير تجويز النسخ ، وأجيب بأن فائدته اعتقاد الوجوب ; لأن ما يجب لله يكون على محض الابتلاء ، ويتحقق الابتلاء في التكليف باعتقاد الوجوب . . 
				
						
						
