: المسألة الثانية
يجوز أن تنقل عن جهاتها إذا تعطلت أو وجدت جهة هي أولى بمصلحة المسلمين من الجهة الأولى ولو كانت وقفا أو إجارة لتعذر ذلك فيها لأن الوقف لا يجوز تغييره والوفاء بعقد الإجارة واجب وهو عقد لازم ويجوز أن يجعل الإمام لمتولي المسجد أن يستنيب دائما ويكون له تلك الأرزاق وتلك الرزقة من الخراج والطين على النظر لا على القيام بالوظيفة وإن كان ذلك لمن تقدمه على [ ص: 4 ] القيام بالوظيفة بسبب أن الأرزاق معروف يتبع المصالح فكيفما دارت دار معها ويتعذر مثل ذلك في الأوقاف من الحوانيت والدور وغيرها بسبب أن الوقف لا يجوز تغييره ولا تغيير شرط من شروطه فإذا وقف الواقف على من يقوم بوظيفة الإمامة أو الأذان أو الخطابة أو التدريس لا يجوز لأحد أن يتناول من ريع ذلك الوقف شيئا إلا إذا قام بذلك الشرط على مقتضى شرط الواقف فإن استناب عنه غيره في هذه الحالة دائما في غير أوقات الأعذار لا يستحق واحد منهما شيئا من ريع ذلك الوقف أما النائب فلأنه من شرط استحقاقه صحة ولايته وصحة ولايته مشروطة بأن تكون ممن له النظر وهذا المستنيب ليس له نظر إنما هو إمام أو مؤذن أو مؤذن أو مدرس فلا تصح النيابة الصادرة عنه وأما المستنيب فلا يستحق شيئا أيضا بسبب أنه لم يقم بشرط الواقف فإن استناب في أيام الأعذار جاز له أن يتناول ريع الوقف وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع . أرزاق المساجد والجوامع
وإن كان المطلق له أرزاقا على وظيفة من تدريس أو غيره من الإمامة أو الأذان أو الحكم بين الناس أو الحسبة ولم يقم بتلك الوظيفة لا يجوز له أن يتناول ذلك القدر لأن الإمام إنما أطلقه له من بيت المال على وظيفة ولم يقم بها واستباحة أموال بيت المال بغير إذن الإمام لا يجوز وأخذ هذا المطلق بغير هذا الشرط لم يأذن فيه الإمام فلا يجوز له أخذه وللإمام أن يطلقه له بعد اطلاعه على عدم قيامه بالوظيفة لمصلحة أخرى غير تلك الوظيفة فيستحقه بالإطلاق الثاني لا بالتقدير الأول ولو كان وقفا ولم يقم بشرطه لم يجز للإمام إطلاقه لمن لم يقم بشرط الواقف في استحقاقه فهذا أيضا يميز لك الأرزاق من باب الأوقاف والإجارات ويجوز في المدارس الأرزاق والوقف والإجارة ولا يجوز في إمامة الصلاة الإجارة على المشهور من مذهب رحمه الله ويجوز الأرزاق والوقف وكثير من الفقهاء يغلظ في هذه المسألة فيقول إنما يجوز تناول الرزق على الإمامة بناء على القول بجواز الإجارة على الإمامة في الصلاة ويتورع عن تناول الرزق بناء على الخلاف في جواز الإجارة وليس الأمر كما ظنه بل الأرزاق مجمع على جوازها لأنها إحسان ومعروف وإعانة لا إجارة وإنما وقع الخلاف في الإجارة لأنه عقد مكايسة ومغابنة فهو من باب المعاوضات التي لا يجوز أن يحصل العوضان فيها لشخص واحد فإن المعاوضة إنما شرعت لينتفع كل واحد من المتعاوضين بما بذل له وأجرا الصلاة له فلو أخذ العوض عنها لاجتمع له العوضان والأرزاق ليس بمعاوضة ألبتة لجوازه في أضيق المواضع المانعة من المعاوضة وهو القضاء والحكم بين الناس فلا ورع حينئذ في تناول الرزق والأرزاق على الإمامة من هذا الوجه [ ص: 5 ] مالك
وإنما يقع الورع من جهة قيامه بالوظيفة خاصة فإن الأرزاق لا يجوز تناولها إلا لمن قام بذلك الوجه الذي صرح به الإمام في إطلاقه لتلك الأرزاق
[ ص: 5 ]