الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( القسم الثاني ) من الصفات الصفات الذاتية وهي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود فهذه الصفات ليست معانيها موجودة قائمة بالذات ولا هي سلب نقيصة كقولنا ليس بجسم بل صفات ذات واجب الوجود بمعنى أنها أحكام لتلك الذات كما نقول في السواد إنه جامع للبصر والبياض إنه مفرق للبصر وتصفه بذلك لا بمعنى أن جمع البصر في السواد وتفريقه في البياض صفة قائمة بالسواد والبياض بل بمعنى أنها أحكام ثابتة لتلك الحقائق فكذلك هاهنا من صفات الله تعالى ما تقدم [ ص: 44 ] ذكره على هذا التفسير ولما لم تكن صفة معنوية زائدة على الذات سماها العلماء صفات ذاتية فهذا هو تحقيقها .

وأما حكمها في الشريعة إذا حلف بها فالظاهر من قول مالك رحمه الله أنه إذا قال : عمر الله يميني يكفر مع أن العمر هو البقاء والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة والمقارنة نسبة لا وجود لها في الأعيان فقد اعتبر النسبة وجعل حكمها حكم الصفة الوجودية فلعله يقول في هذه الصفات كذلك ويوجب بها الكفارة إذا قال الحالف : وأزلية الله تعالى ووجوب وجوده وأبديته ولم أر فيه نقلا غير ما ذكرته لك من التخريج فإن قلت الأبدية لا تكون في الأزل كما أن الأزلية لا تكون في المستقبل بل الأبدية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المستقبلة والأزلية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المتوهمة إلى غير نهاية من جهة الأزل فالأزل والأبد متنافيان لا يجتمعان .

ولا يكون أحدهما في الزمن الذي يكون فيه الآخر فعلى هذا لا يكون الأبد إلا متجددا بعد الأزل فإن جعلتم الحلف لا يكون إلا بقديم لم ينعقد الحلف بأبدية الله تعالى لتجددها بعد الأزل ثم إن جعلتم الحلف بالقديم كيف كان وجودا أو عدما يلزمكم أن من حلف بعدم العام أن يكون تلزمه الكفارة وليس كذلك قلت مسلم أن الأبدية لا تكون أزلية وهي متجددة بعد الأزلية غير أن أبدية الله تعالى ترجع إلى وجوده من حيث الجملة كالبقاء [ ص: 45 ] وعمر الله تعالى كما تقدم بيانه مع أن البقاء لا يعقل في المحدثات إلا بعد الحدوث فهو قرينة تقتضي التأخير من حيث الجملة عن أصل الوجود ومع ذلك فقد اعتبره ولم يلاحظ هذا المعنى ومقتضى ذلك اعتبار الأبدية والمقصود التخريج على المذهب لا إقامة الدليل على صحته وهذا التخريج صحيح في ظاهر الحال ولك أن تقول الأبدية لا تكون في الأزل وما لا يكون في الأزل يكون حادثا قطعا وأما البقاء فواقع في الأزل لأن اقتران الوجود كما حصل بالأزمنة المستقبلة حصل بالأزل وفيه لم يتعين له حدوث فمع الفرق لا يصح التخريج وأما عدم العالم فالجواب عنه أن لا نعتبر القديم كيف كان فإن عدم العالم بل عدم كل حادث قديم .

ولا يصح الحلف به بل يعتبر القدم المتعلق بذات الله ووجوده وصفاته العلا وعدم العالم والحوادث ليس متعلقا بوجود الله تعالى وصفاته فلذلك لم تلزم به كفارة ولم تشرع به يمين ( فائدة ) اختلف في القدم هل هو صفة ثبوتية وأنه تعالى قديم بقدم كالعلم وغيره أو هو صفة نسبية لا زائدة على ذاته تعالى بل قدمه استمرار وجوده مع جميع الأزمنة الماضية المحققة والمتوهمة الاستمرار نسبة بين الوجود والذات وكذلك جرى الخلاف في البقاء هل هو وجودي أم لا .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( القسم الثاني من الصفات الصفات الذاتية وهي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود إلى قوله فهذا هو تحقيقها ) قلت ليس ما قاله في ذلك بصحيح فإن الأزلية إنما معناها أن وجوده لم يسبقه عدم والأبدية أنه لا يلحقه عدم ووجود الوجود نفي تبدله فهذه الصفات بجملتها سلبية لا ثبوتية هذا على إنكار الأحوال أو إما على إثباتها فذلك متجه على أنها أحوال نفسية لا معنوية [ ص: 44 ]

قال ( وأما حكمها في الشريعة إذا حلف بها فالظاهر من قول مالك رحمه الله أنه إذا قال عمر الله يميني يكفر مع أن العمر هو البقاء والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة إلى قوله من التخريج ) قلت ما قاله في ذلك صحيح غير ما قاله في البقاء أنه يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة فإنه ليس كذلك فإنه تعالى متصف بالبقاء سواء وجد زمان أو لم يوجد فإن الزمان من جملة الحوادث قال فإن قلت الأبدية لا تكون في الأزل كما أن الأزلية لا تكون في المستقبل إلى قوله فمع الفرق لا يصح التخريج قلت السؤال غير صحيح وجوابه كذلك أما عدم صحة السؤال فمن جهة أن وجود الباري تعالى وجميع صفاته لا يلحقها الزمان والأزلية والأبدية قد تقدم تفسيرهما بالسلب فكيف يقول السائل إنهما لا يكون أحدهما في الزمن الذي يكون فيه الآخر وهل الكون إلا من لواحق الوجود أو هو هو فما ألزم من أن الأبد لا يكون إلا متجددا لا يلزم وما قاله هو في الجواب من أن البقاء في المحدثات لا يعقل إلا بعد الحدوث مسلم ولا يلزم من ذلك ما بني عليه من أن مالكا اعتبر البقاء من غير ملاحظة كونه ثانيا عن الحدوث ومتى يصح في حقه تعالى أن يكون بقاؤه بتلك المثابة حتى يلزم أن مالكا لم يعتبر ذلك فيخرج على قوله في مسألة الأبدية مع تسليم تجددها هذا كله تخليط فاحش لا يفوه بمثله من حصل شيئا من علم الكلام وما قاله بعد ذلك صحيح أو حكاية خلاف ولا كلام فيه .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( والقسم الثاني ) منها أعني المعنوية نسبة للمعاني الوجودية القائمة بالذات على حد قوله والواحد اذكر ناسبا للجمع ما لم يوافق واحدا في الوضع نعم الظاهر أنه هنا وافق واحدا في الوضع فإذا عبر علماء الكلام عن هذا القسم بصفات المعاني وقال السنوسي في شرح الوسطى الإضافة في صفات المعاني للبيان وأن المراد الصفات التي هي نفس المعاني يعنون بها المعاني الوجودية كالعلم مثلا ويصح أن تكون الإضافة أنه بتقدير من كثوب خز ا هـ .

ولم يعبروا بالصفات المعنوية فهي سبعة العلم والكلام القديم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والحياة ومشهور المذهب جواز الحلف بها ابتداء وأن الحلف بها مع الحنث يوجب الكفارة لما في البخاري { أن أيوب عليه الصلاة والسلام قال بلى وعزتك لا غنى لي عن بركتك } كما مر وقيل لا يوجب كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم { من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } ولفظ الله مخصوص بالذات فاندرجت الصفات في المأمور بالصمت به لكن قد مر عن حفيد بن رشد قال في بداية المجتهد وتعليق الحكم في الحديث بالاسم فقط أي دون أن يعدى إلى الصفات والأفعال جمود كثير وهو أشبه بمذهب أهل الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه اللخمي عن محمد بن المواز ا هـ .

وفي هذا القسم ثلاث مسائل ( المسألة الأولى )

مذهب مالك رضي الله تعالى عنه أن الحلف بالقرآن تجب به مع الحنث الكفارة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تجب به الكفارة ومستند أبي حنيفة أن المراد به في عرف الاستعمال الحادث ومستند مالك أنه وإن كان المراد به في العرف الحادث إلا أن قرينة [ ص: 68 ] القسم صرفت اللفظ إلى أن المراد به الأمر القديم ومما يدل على ذلك تسوية مالك بين لفظ القرآن والمصحف والتنزيل والتوراة والإنجيل مع أن العرف فيها أن المراد بها المحدث أفاده ابن الشاط ( المسألة الثانية )

قال الشيخ الإمام أبو الوليد بن رشد في البيان والتحصيل إذا قال علم الله لا فعلت استحب له مالك الكفارة احتياطا تنزيلا للفظ علم الله الذي هو فعل ماض منزلة علم الله فكأنه قال وعلم الله لا فعلت وقال سحنون إن أراد الحلف بعلم الله مع حذف أداة القسم والتعبير عن الصفة القديمة بصيغة الفعل وحنث وجبت الكفارة وإن أراد الإخبار عن علم الله تعالى بعدم فعله فليس بحلف تجب به كفارة فلفظ علم الله لا فعلت كناية تحتمل القسم والإخبار ا هـ بتصرف قال ابن الشاط الأظهر نظرا قول سحنون ولذلك والله أعلم استحب مالك الكفارة ولم يوجبها ا هـ .

وقال الأصل وقول سحنون متجه في قواعد الفقه وقد وقع لبعض النحاة جواز فتح أن بعد القسم وعلل ذلك بأن القسم قد يقع بصيغة الفعل المتعدي فتكون أن معمولة له نحو علم الله وشهد الله أن زيدا لمنطلق فلما كانت مظنة وجود الفعل المتعدي فتجب تنزيلا للمظنون منزلة المحقق والظاهر أنه نقلها لغة عن العرب في فتح أن بعد القسم والجادة على كسرها بعد القسم ا هـ .

( المسألة الثالثة )

الصحيح أن قرينة القسم في قول القائل والعلم بالألف واللام وقوله وعلم الله بالإضافة وما أشبه ذلك تعين أن مراده العلم القديم دون غيره على أن لفظ العلم سواء كان مضافا أم بالألف واللام ليس اشتماله على القديم والحادث في القول الصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء من أن أصل الألف واللام وكذا الإضافة في اللغة للعموم وقد تكون للعهد مجازا مرسلا من إطلاق العام وإرادة الخاص كقوله تعالى { كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } أي عصى الرسول المعهود ذكره الآن من باب العموم الذي يقول به المعممون بل اشتماله على القديم والحادث فيه من باب تعميم اللفظ المشترك والقول به مردود فكل ما قاله الأصل في هذه المسألة [ ص: 69 ] مبني على أن اشتمال اللفظ على القديم والحادث من باب العموم كما زعم ليس بصحيح والله أعلم قاله ابن الشاط .




الخدمات العلمية