الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      اختلف العلماء في معنى هذه الآية؛ فقيل: معناها: لا يحل لك النساء بعد اللواتي أحللنا لك، في قوله: إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن إلى [ ص: 298 ] قوله: خالصة لك من دون المؤمنين ، قاله أبي بن كعب وغيره، واختاره الطبري،؛ فكأن المعنى: لا يحل لك الأمهات، والأخوات، وذوات المحارم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن، وابن سيرين، وغيرهما: حرم الله تعالى عليه نكاح غير نسائه، حين اخترن الله ورسوله.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك -باختلاف عنه في قوله: ولا أن تبدل بهن من أزواج - قال: معناه: لا يحل لك أن تستبدل بمن عندك غيرهن، وروي ذلك عن مجاهد، وعنه أيضا: أن المعنى: لا يحل لك النساء من غير المسلمات ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك؛ فلك أن تتسرى بها، وقاله ابن جبير، وعطاء، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الله تعالى لما قال: ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ؛ كان له أن يتزوج من شاء، بغير عدة؛ كما كان للأنبياء قبله، ثم نسخ ذلك بهذه الآية، قاله محمد بن كعب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الآية منسوخة، بقوله تعالى: ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء الآية، روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي منسوخة بالسنة، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 299 ] وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه الآية: نزلت هذه الآية حين أهديت زينب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأكل الناس، وأطالوا الجلوس، فلما نزلت؛ ضرب الحجاب، وقام القوم، روي معناه عن أنس بن مالك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى غير ناظرين إناه : غير متحينين نضجه، ولا مستأنسين لحديث أي: بعد الأكل، قاله مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب : روى أنس بن مالك: أن عمر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله؛ إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية لا يراهن أحد منتقبات، ولا غير منتقبات، وكن إذا طفن بالبيت تسترن.


                                                                                                                                                                                                                                      وأمر عمر رضي الله عنه أن لا يخرج في جنازة زينب بنت جحش إلا ذو محرم، وكانت توفيت في خلافته.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 300 ] واستدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجاب على جواز شهادة الأعمى، وبأن الأعمى يطأ زوجته بمعرفته كلامها، وعلى إجازة شهادته أكثر العلماء، وهو مذهب مالك، ولم يجزها أبو حنيفة، [والشافعي، وغيرهما، وقال أبو حنيفة: تجوز في الأنساب]، وقال الشافعي: لا تجوز إلا فيما رآه قبل ذهاب بصره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا : قال معمر: قال طلحة بن عبيد الله: لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتزوجت عائشة؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      هذه مبيحة لمن ذكر فيها أن يروا نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيها العم والخال؛ لأنهما يجريان مجرى الوالدين.

                                                                                                                                                                                                                                      [الشافعي: لم يذكرا؛ لئلا يصفاهن لأبنائهما].

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: هذا كله في الزينة.

                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن علي: كان الحسن والحسين لا يريان أمهات المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 301 ] قال بعض العلماء: لأن أبناء البعولة لم يذكروا في قصة أمهات المؤمنين، وقيل: إنما لم يذكر أبناء البعولة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد ذكر بالغ، وعلم الله عز وجل أن ذلك لا يكون له لصلبه، ولا لهن من تزويج بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولا ما ملكت أيمانهن : قال ابن المسيب وغيره: يعني: الإماء، وقال ابن عباس وغيره: يعني: العبيد، وقال مجاهد: كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه من كتابته دينار، وقد تقدم ذكر ذلك في (النور) [31].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما : روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل، فقيل له: كيف نصلي عليك؟ فقال لهم: "قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد"، قال: "والسلام كما قد علمتم".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن قال الحسن، وأبو مالك: كان النساء يخرجن في حاجاتهن من الليل، فيظن المنافقون أنهن إماء، فيؤذونهن؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 302 ] ابن عباس: يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: تغطي نصف وجهها.

                                                                                                                                                                                                                                      عبيدة السلماني: تغطي حاجبيها بالرداء، [ثم ترده على أنفها]، ثم تغطي رأسها، ووجهها، وإحدى عينها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين أي: يعرفن أنهن حرائر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية