الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب :

                                                                                                                                                                                                                                      وجه كسر التاء في {آيات} الأول : العطف على ما عملت فيه {إن} ؛ التقدير : وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الثاني ؛ فقيل : إن النصب فيه وجهه تكرير {آيات} لما طال الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إنه على الحمل على ما عملت فيه {إن} ؛ على تقدير حذف (في ) ؛ التقدير : وفي اختلاف الليل والنهار آيات ؛ فحذفت (في ) ؛ لتقدم ذكرها ، فإن لم يحمل على ما قدمناه ؛ كان عطفا على عاملين مختلفين : {إن} ، والجار ، ولا يجيزه سيبويه ، وعلى تقدير الحذف أنشد سيبويه : [من المتقارب ]


                                                                                                                                                                                                                                      أكل امرئ تحسبين امرءا ونار توقد بالليل نارا

                                                                                                                                                                                                                                      فهو على تقدير حذف (كل ) المضاف إلى (نار ) المجرورة ؛ لتقدم ذكرها ، [ ص: 119 ] ولولا تقدير الحذف ؛ لكان عطفا على عاملين ؛ لأنه كان يعطف على (كل ) المنصوبة بـ (حسب ) ، و (امرئ ) المجرور بـ (كل ) ، والعطف على عاملين قبيح ؛ من أجل أن حرف العطف ينوب مناب العامل ، فلم يقو أن ينوب مناب عاملين مختلفين ؛ إذ لو ناب مناب رافع وناصب ؛ لكان رافعا ناصبا في حال ، وللزم أن ينوب مناب رافع وناصب وجار ، فتعمل الوجوه الثلاثة في حال ، وأجاز الأخفش وجماعة من الكوفيين العطف على عاملين .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ بالرفع ؛ جاز أن يكون حملا على موضع {إن} وما عملت فيه ، وقد ألزم النحويون في ذلك أيضا العطف على عاملين ؛ لأنه عطف {واختلاف} على [ وفي خلقكم ، وعطف {آيات} على موضع ] (آيات ) الأولى ، لكنه يقدر على تكرير {في} ، على ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يرتفع على القطع مما قبله ، فيرتفع بالابتداء ، وما قبله خبره ، ويكون عطف جملة على جملة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 120 ] وحكى الفراء رفع {اختلاف} و {آيات} جميعا ، وجعل الاختلاف هو الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} ؛ فهو عند أبي حاتم خبر مبتدأ محذوف ؛ التقدير : ذلك منه .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفتح : يجوز أن يرتفع بفعله هذا الظاهر ؛ أي : سخر لكم ذلك منه ؛ كما تقول : (أحياني فضلك ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {منة} ؛ فهو منصوب على المصدر ، ودل عليه : سخر لكم ؛ كأنه قال : من عليكم بذلك منة ، وقراءة الجماعة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {ليجزى قوما} ؛ فهو على تقدير : ليجزى الجزاء قوما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم : يجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للكفار خاصة ، فلا يجوز على هذا في {سواء} إلا الرفع ، ولا ينصب ؛ لأنه لا [ ص: 121 ] يدخل في الحسبان ؛ لأنه ينتصب بالفعل الذي في صلة {أن} ، والحسبان واقع على {أن} ، وما في صلة {أن} داخل في الحسبان ، وليس ذلك المراد إنما المعنى : الإخبار باستواء محيا الكفار ومماتهم في البعد من رحمة الله حتما ، والرفع على هذا الوجه يكون على الاستئناف ، ويكون قوله : كالذين آمنوا في موضع المفعول الثاني ، ولا تكون الجملة التي هي سواء محياهم ومماتهم على هذا حالا من قوله : كالذين آمنوا ؛ لأن الضمير للكفار دون المؤمنين ، فهو غير ملتبس بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للكفار والمؤمنين جميعا ، فيجوز في {سواء} الرفع والنصب ؛ فوجه الرفع : أن {محياهم} ابتداء ، و {سواء} خبره ؛ والتقدير : محياهم ومماتهم سواء ، ويجوز في هذه الجملة أن تكون حالا من الضمير [الذي في {نجعلهم} ، والعامل (نجعل ) ، ويكون كالذين آمنوا مفعولا ثانيا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 122 ] ويجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير ] المرفوع الذي في كالذين آمنوا ؛ لأنه بمنزلة الظرف ، والعامل في الحال معنى الفعل الذي في الظرف .

                                                                                                                                                                                                                                      ونصب {سواء} على أحد وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                      الحال من الهاء والميم في {نجعلهم} ، أو من الضمير المرفوع في الظرف الذي هو المفعول الثاني ، وإذا كان حالا من الضمير الذي في الظرف ؛ فالعامل فيه معنى الفعل .

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني : أن يكون {سواء} مفعولا ثانيا [لـ (نجعل ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ويرتفع محياهم ومماتهم بـ {سواء} في الوجهين جميعا ؛ وهما : كون {سواء} مفعولا ] أو حالا .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب {سواء} ، و {محياهم} ، و {ومماتهم} ؛ فنصب {سواء} على الحال ، و {محياهم} ، و {ومماتهم} [على تقدير : في محياهم وفي مماتهم ؛ كأنه ظرف ، ويجوز أن يكون {محياهم ومماتهم} ] بدلا من الهاء والميم في {نجعلهم} ؛ [ ص: 123 ] المعنى : أن نجعل محياهم ومماتهم سواء ؛ كمحيا الذين آمنوا ومماتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأضله الله على علم : يجوز أن يكون على علم حالا من الفاعل ؛ المعنى : أضله على علم منه به ؛ أي : أضله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه ، ويجوز أن يكون حالا من المفعول ، فيكون المعنى : أضله في حال علم الكافر بأنه ضال .

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون : {يوم} الأول : منصوب بـ {يخسر} ، [ و {يومئذ} : تكرير ؛ للتأكيد ، أو بدل منه ، وقيل : إن التقدير : وله الملك يوم تقوم الساعة ، والعامل في {يومئذ} قوله : {يخسر} ] ، ومفعول {يخسر} محذوف ؛ والمعنى : يخسرون منازلهم في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : كل أمة تدعى ؛ بالنصب ؛ فعلى أن {كل} الثانية بدل من الأولى ؛ لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى ؛ إذ ليس في جثوها شيء من حال شرح الجثو ؛ كما في الثانية من ذكر السبب الداعي إليه ؛ وهو استدعاؤها إلى كتابها والرفع على الابتداء .

                                                                                                                                                                                                                                      هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق : ينطق عليكم : في موضع الحال من (الكتاب ) ، [ ص: 124 ] أو من (ذا ) ، أو خبر ثان لـ (ذا ) ، أو يكون {كتابنا} بدلا من {هذا} ، و {ينطق} : الخبر .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن رفع والساعة لا ريب فيها ؛ فعلى الابتداء ، أو العطف على موضع إن وعد الله حق ، ولا يحسن حمله على الضمير الذي في المصدر ؛ لأنه غير مؤكد ، والضمير المرفوع إنما يعطف عليه بغير تأكيد في الشعر .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب {الساعة} ؛ عطفها على {وعد} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن نظن إلا ظنا : تقديره عند المبرد : إن نحن إلى نظن ظنا .

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل : التقدير : إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا ] ، واحتيج إلى هذا التقدير ؛ لأن فائدة المصدر كفائدة الفعل ، فإذا لم يقدر حذف ؛ صار المعنى : إن نظن إلا نظن ، وهو كلام لا فائدة فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      هذه السورة مكية ، وعددها في الكوفي : سبع وثلاثون آية ، وفي بقية العدد : ست وثلاثون ، زاد الكوفي : {حم} .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية