الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو يضع إحدى كفيه على الأخرى يدخلهما ، بين فخذيه في الركوع وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم كنا نفعل ذلك فنهينا عنه .

التالي السابق


وأخرج الطبراني في "الكبير" في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه: "لا يصل أحدكم وثوبه على أنفه، فإن ذلك خطم الشيطان". وذكر الحجاوي في "إقناعه": من المكروهات في الصلاة تغطية الوجه والتلثم على الفم والأنف، (أو يضع إحدى كفيه على الأخرى، ويدخلهما بين فخذيه في) حال (الركوع) ، ويسمى ذلك التطبيق، وقد نهي عنه، (قال بعض الصحابة) وهو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (كنا نفعل ذلك فنهينا عنه) ، أخرجه الشيخان والأربعة .

قال البخاري : حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن أبي يعقوب : سمعت مصعب بن سعد يقول: صليت إلى جنب أبي، فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني أبي وقال: كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب اهـ .

وفي كتاب "الفتوح" لسيف عن مسروق: أنه سأل عائشة عن التطبيق، فأجابته بما محصله أنه من صنيع اليهود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك، وكان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم .

وروى ابن المنذر من حديث ابن عمر بإسناد قوي قال: إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة، يعني التطبيق، فقد ثبت نسخ التطبيق، وأنه كان متقدما، قال الترمذي : التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بينهم في ذلك، إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون، قيل: ولعل ابن مسعود لم يبلغه النسخ، واستبعد لأنه كان كثير الملازمة له إذا قام وإذا جلس، فكيف يخفى عليه مثل هذا، أو لم يبلغه النسخ؟ وروى عبد الرزاق عن علقمة والأسود قالا: صلينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه، فطبقنا، فلما انصرف قال: ذاك شيء كنا نفعله، فترك.

قلت: وهذا يدل على أنهم فعلوا ذلك كثيرا وواظبوا عليه، لا أنه كان مرة فترك، وقد ذكر البيهقي في "السنن" أن أبا سبرة الجعفي أحد أصحاب ابن مسعود ترك التطبيق حين قدم المدينة، وذكروا له نسخ ذلك، فكان لا يطبق، قال البيهقي : وفي ذلك ما يدل على أن أهل المدينة أعرف بالناسخ والمنسوخ من أهل مكة، هكذا نقله العراقي في "شرح التقريب" .

قلت: وذكر البيهقي أيضا عن أبي بكر بن إسحاق الفقيه أشياء نسب فيها ابن مسعود إلى النسيان، ذكر منها التطبيق، ثم قال: وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين؟

قلت: ولا يخفى أن هذه دعوى لا دليل عليها، ولا طريق إلى معرفة ابن مسعود علم ذلك ثم نسيه، والأدب في مثل هذا أن يقال: لم يبلغه كما فعل غيره من العلماء، فتأمل .




الخدمات العلمية