الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واختار بعض العلماء من مجموع الأخبار أن يكون عدد الرواتب سبع عشرة كعدد المكتوبة : ركعتان قبل الصبح ، وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها ، وأربع قبل العصر ، وركعتان بعد المغرب وثلاث ، بعد العشاء الآخرة وهي الوتر ، ومهما عرفت الأحاديث الواردة فيه فلا معنى للتقدير فقد قال صلى الله عليه وسلم : " الصلاة خير موضوع ، فمن شاء أكثر ، ومن شاء أقل .

التالي السابق


( واختار العلماء من مجموع الأخبار) الواردة السابق ذكرها ( أن يكون عدد الرواتب سبع عشرة كعدد المكتوبة: ركعتان قبل الصبح، وأربع قبل الظهر وركعتان [ ص: 353 ] بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، والوتر) . وهذا على قول من قال: الوتر ركعة واحدة، وفي نسخة: وثلاث بعد العشاء الآخرة، وهو الوتر .

قال الرافعي : فأما الرواتب: فالوتر وغيره؛ فأما غير الوتر فاختلف الأصحاب في عددها، فقال الأكثرون: عشر ركعات: ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، ركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. ومنهم من نقص ركعتي العشاء، نص عليه في البويطي. وبه قال الخضري، ومنهم من زاد على العشر ركعتين أخريين قبل الظهر، ومنهم من زاد على هذا أربعا قبل العصر، ومنهم من زاد على أخريين بعد الظهر. فهذه خمسة أوجه لأصحابنا، وليس خلافهم في أصل الاستحباب، بل في أن المؤكد من الرواتب مع أن الاستحباب يشمل الجميع؛ ولهذا قال صاحب المهذب وجماعة: أدنى الكمال عشر ركعات وهو الوجه الأول. وأتم الكمال ثمان عشرة ركعة، وهو الوجه الخامس .

وفي استحباب ركعتي العصر وجهان؛ وبالاستحباب قال أبو إسحق الطوسي، وأبو زكريا السكري. اهـ. وصححه النووي في الروضة عملا بحديث ابن مغفل في صحيح البخاري .

وقال الولي العراقي: قال أصحابنا وغيرهم: اختلاف الأحاديث في أعداد الرواتب محمول على توسعة الأمر فيها، وأن لها أقل وأكمل، فتحصل السنة بالأقل، ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل. اهـ .

وزاد المحاملي في اللباب والنووي في شرح المهذب ركعتين قبل العشاء، وحكاه الماوردي عن البويطي، ويدل له الحديث: بين كل أذانين صلاة، وعد القاضي أبو بكر البيضاوي في التبصرة من الرواتب أربعا بعد المغرب وهو غريب، نقله الولي العراقي.

قلت: ليس بغريب، فقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن ابن عمر قال: من صلى أربعا بعد المغرب كان كالمعقب غزوة بعد غزوة.

( ومهما عرف) وفي نسخة: عرفت ( الأحاديث الواردة في ذلك) الدالة على تأكدها ( فلا معنى للتقدير فيه) ، وإنما يعمل به في استحبابه؛ فما كان صحيحا دالا على تأكده عمل به، وكذا إن كان حسنا ما لم يعارضه أقوى منه، وما كان ضعيفا لا يدخل في حيز الموضوع. فإن أحدث شعارا في الدين لا يعمل به، وإلا عمل به؛ ( فقد قال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة خير موضوع، فمن شاء أكثر، ومن شاء أقل") . قال العراقي: أخرجه أحمد، وابن حبان، والحاكم، وصححه من حديث أبي ذر . اهـ .

قلت: قال الحافظ: هو خبر مشهور رواه أحمد، والبزار، من حديث عبيد بن الحسحاس عن أبي ذر بلفظ: "فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر". ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر في حديث طويل. ورواه الطبراني في المطولات عن ابن عائذ، عن أبي ذر ، ومن طريق يحيى بن سعيد السعيدي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر . وأعله ابن حبان في الضعفاء بيحيى بن سعيد، وخالف الحاكم فأخرجه في المستدرك من حديثه وله شاهد من حديث أبي أمامة، رواه أحمد بسند ضعيف. اهـ .

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة بسند فيه عبد المنعم بن بشير بلفظ: فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر، وأما الحديث الطويل الذي أشار إليه الحافظ؛ فقد أخرجه أيضا في الحلية من طريق إبراهيم بن هشام النسائي، عن أبيه، عن جده يحيى بن يحيي السعدي، عن أبي إدريس، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد، وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فجلست إليه، فقال: يا أبا ذر، إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما، قال: فقمت فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: خير موضوع، استكثر أو استقل. ثم ساق الحديث بطوله، وأشار إلى بقية طرقه، فقال: ورواه المختار بن غسان، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي إدريس، ورواه علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي ذر . ورواه عبيد بن الخشخاشي، عن أبي ذر ، ورواه معاوية بن صالح، عن محمد بن أيوب، عن ابن عائذ، عن أبي ذر . ورواه ابن جريج عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر بطوله. تفرد به يحيى بن سعيد العبشمي. اهـ .

ومعنى "خير موضوع" أي: خير ما وضعه الله من العبادات، فمن قوى إيمانه أكثر منها .




الخدمات العلمية