الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإذا سمعت نداء المؤذن فأحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة وتشمر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر فاعرض قلبك على هذا النداء ، فإن وجدته مملوءا بالفرح والاستبشار مشحونا بالرغبة إلى الابتدار فاعلم أنه يأتيك النداء بالبشرى والفوز يوم القضاء .

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : أرحنا يا بلال أي : أرحنا بها وبالنداء إليها .

التالي السابق


ثم شرع المصنف في تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل شرط وركن على الترتيب الذي ذكره هنا، فبدأ بالأذان وقال: (فإذا سمعت نداء المؤذن) ، وهذا يستدعي أن يكون مستديما على الوضوء والجوارح إذا كانت في حماية الوضوء الذي هو أثر شرعي يقل طروق الشيطان عليها، قال عدي بن حاتم: ما أقيمت صلاة منذ أسلمت، إلا وأنا على وضوء، والمراد بنداء المؤذن الأذان، وهو لا يكن إلا بعد دخول الوقت. (فأحضر في قلبك) عند سماعه (هول النداء يوم القيامة) إذ يدعى كل إنسان باسمه، فيستشعر القلب بعد تأمله في ذلك الهول غيبوبة عن كل شاغل دنيوي، (وتشمر بظاهرك وباطنك) ، والتشمر في الأمر هو الاجتهاد فيه مع السرعة والخفة، وأصله: من شمرت الثوب إذا رفعه فتشمر، (للإجابة والمسارعة) ، أما الإجابة فيحتمل أن يكون بمعنى أن يقول مثل ما يقول المؤذن، كما في حديث البخاري ومسلم : "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن". فالمسارعة حينئذ في السير إلى الصلاة وأن يكون بمعنى الإتيان لما يدعو إليه، يقال: أجاب نداءه إذا حضر إليه وأتاه، فالمسارعة حينئذ عطف تفسير، وعلى الأول يكون في السياق لف ونشر مشوش؛ لأن التشمر بالظاهر يقتضي المسارعة في السير، وبالباطن يقتضي مساعدته لذلك، وأن يخفف على الروح، وفي قوله: فإذا سمعت، إشعار بأنه إذا لم يسمعه لبعد أو صمم لا تسن له الإجابة، وقال في المجموع: وهو الظاهر؛ لأنها معلقة بالسماع، (فإن المسارعين) بالإجابة (إلى هذا النداء) الذي هو الأذان (هم الذين ينادون) أي: يدعون (باللطف) ، والإكرام (يوم العرض الأكبر) الذي هو يوم الحساب، كما ورد معنى ذلك في بعض الأخبار (فاعرض قلبك على هذا النداء، فإن وجدته مملوءا بالفرح) والانبساط موقورا بالخفة (والاستبشار مشحونا بالرغبة) ، والميل (إلى الابتدار) ، أي: الإسراع، (فاعلم) وتحقق (أنه يأتيك النداء بالبشرى) ، والحظ الأوفر، (والفوز) بالنعيم (يوم القضاء) الأكبر، (ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: أرحنا يا بلال) ، فيما رواه الدارقطني في كتاب العلل له من حديثه .

قال العراقي: ولأبي دواد نحوه من حديث رجل من الصحابة لم يسم بإسناد صحيح .

قلت: أخرجه أحمد وأبو داود والبغوي عن رجل من خزاعة، وأخرجه البغوي أيضا عن رجل من أسلم، وهذا الرجل الذي هو من خزاعة قد ورد تصريح به عند الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة قالوا: هو سلمان بن خالد الخزاعي، ورواه الخطيب عن علي، وعن بلال، ولفظهم جميعا يا بلال أقم الصلاة، أرحنا بها، وعند مسلم من حديث ابن عمر ، يا بلال: قم فناد بالصلاة، وقول المصنف (أي: أرحنا بها) أي: بالصلاة (وبالنداء إليها) ظاهر في أن المراد به الأذان، وظاهر لفظ الجماعة أن المراد به الإقامة، وإن كانت إقامة الصلاة أعم من أن يكون أذانا أو إقامة .




الخدمات العلمية