الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الاستقبال فهو صرف ظاهر وجهك عن سائر الجهات إلى جهة بيت الله تعالى أفترى أن صرف القلب عن سائر الأمور إلى الله عز وجل ليس مطلوبا منك ، هيهات فلا مطلوب سواه .

وإنما هذه الظواهر تحريكات للبواطن وضبط للجوارح وتسكين لها بالإثبات في جهة واحدة حتى لا تبغي على القلب فإنها إذا بغت وظلمت في حركاتها والتفاتها إلى جهاتها استتبعت القلب وانقلبت به عن وجه الله عز وجل فليكن وجه قلبك مع وجه بدنك .

فاعلم أنه كما لا يتوجه الوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها فلا ينصرف القلب إلى الله عز وجل إلا بالتفرغ عما سواه وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا قام العبد إلى صلاته فكان هواه ووجهه وقلبه إلى الله عز وجل انصرف كيوم ولدته أمه .

التالي السابق


(وأما الاستقبال فهو) شرعا (صرف لظاهر وجهك عن سائر الجهات) المختلفة (إلى جهة بيت الله تعالى) المسمى بالكعبة والقبلة، وأطلق الجهة وأراد بها العين هنا، كما هو مذهبه من اشتراطه للمكي وغيره. (أفترى أن صرف القلب) الذي هو باطنك (من سائر الأمور) التي تتصف بالغيرية (إلى أمر الله تعالى) ، وقطع الملاحظة عنها (ليس مطلوبا منك، هيهات فلا مطلوب) في الحقيقة (سواه) ، أي: الاشتغال به وترك ما سواه، (وإنما هذه الظواهر تحريكات للبواطن) ، وأدلة عليها (وضبط للجوارح وتسكين لها) عن التحرك فيما لا ينبغي (بالإثبات في جهة واحدة) حتى تكون أنموذجا في توجيه القلب إلى الرب، (وحتى لا تبغي على القلب) أي: لا تتجاوز عليه من حدوده، (فإنها إذا بغت وظلمت في حركاتها) الطبيعية (والتفاتها إلى جهاتها) يمنة ويسرة وقدام (واستتبعت القلب) أي: جعلته تابعا لها، (وانقلبت به عن وجه الله تعالى) ، فيعسر حينئذ صرفه عنها، (فليكن وجه قلبك) مصاحبا (مع وجه بدنك) ، في استقبالهما وتوجههما. (واعلم أنه كما لا يتوجه الوجه إلى جهة البيت) الحرام (إلا بالانصراف عن غيرها) من الجهات، (فلا ينصرف القلب إلى الله عز وجل) أيضا (إلا بالتفرغ عما سواه) ، أي: إخلائه عن خطرات السوى والغير .

وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قام العبد إلى صلاته فكان هواه) أي: ميله أو محبته (ووجهه وقلبه) أي: ظاهره وباطنه، (إلى الله -عز وجل- انصرف من ذنوبه) ، أي: مغفورا منها (كيوم ولدته أمه) . قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ، ولمسلم نحو معناه من حديث عمرو بن عنبسة في فضل الوضوء، وفيه: "فكبر وقام وصلى، فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه". اهـ .

قلت: ووجدت لما ذكره المصنف شاهدا آخر من حديث عقبة بن عامر بلفظ: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه، وجبت له الجنة". أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، والنسائي والطبراني في الكبير، وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عقبة هذا بلفظ: "من توضأ وضوء كاملا ثم قام إلى صلاته كان من خطيئته كيوم ولدته أمه". وفي رواية له: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين كان من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمه". رواه الطبراني أيضا في الكبير، وفي رواية له: "ثم صلى صلاة غير ساه، ولا لاه، كفر عنه ما كان قبلها من سيئة". رواه أحمد والطبراني أيضا في الكبير .




الخدمات العلمية