الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والمتحصن به لا معبود له سوى الله سبحانه فأما من اتخذ إلهه هواه فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله عز وجل .

واعلم أن من مكايده أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ليمنعك عن فهم ما تقرأ .

فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس فإن حركة اللسان غير مقصودة ، بل المقصود معانيها .

التالي السابق


(والمتحصن به) أي: بهذا الحصن الحصين (من لا معبود له) ظاهرا وباطنا (سوى الله تعالى) ، كما هو مقتضى كلمة التوحيد (فأما من اتخذ إلهه) أي: معبوده (هواه) النفساني (فهو في ميدان الشيطان) يلاعب به كالكرة حيث شاء، (لا في حصن الله تعالى) ، فإذا لم يكن في حصن الله لم ينفعه قوله أعوذ بالله .

(واعلم أن مكايدته) وفي بعض النسخ: من مكايده (أن يشغلك في صلاتك بفكر الآخرة) ، ويلهيك به (وتدبير فعل الخيرات) ، المتأخر فعلها وأنت تظن أنه من خطرات الخير، وإنما أراد ذلك منك (ليمنعك بذلك عن فهم ما تقرأ) ، وتدبر ما تتلو، (فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس) منه وأمان يخليها إليك، (فإن حركة اللسان غير مقصودة بالذات، بل المقصود) من القراءة (معانيها) ، اعلم أن الخواطر التي ترد على القلوب على المصلي في صلاته على أقسام منها ما يخطر به من الخير، فليسارع إلى فعله فذلك من أحب الأشياء إلى الله تعالى، ومنها ما يخطر به من المكروه الممقوت فليجتنبه، فإنه هو الذي يبعده من قرب الله تعالى، ومنها ما يخطر به من خاطر تمن أو مما يهمه مما يأتي أو مضى فذلك وسوسة من العدو، فليحذر منه .

ومنها ما يخطر به من أمر المعاش وتصريف الأحوال وتدبير الأمور من المباحات، فذلك من قبل النفس وفكرها بما توسوس به من أمورها، وهذا كذلك ينبغي اجتنابه، ومنها ما يخطر من همة مذمومة وفكرة محظورة في معصية مأزورة، فهذا هو الهلاك، والبعد يكون بوصف النفس الأمارة عن استحواذ العدو، وهو علامة الحجاب والإعراض، فإذا ابتلي المصلي بهذه المعاني في صلاته، فقد اختبر بذلك، فعليه أن يعمل في نفيه ولا يصغي إليه بعقله فيستولي عليه، ولا يطاوله فيخرجه عن حد الذكر واليقظة إلى مسامرة الجهل والغفلة، وكل عمل محذور فالهمة فيه محذورة، ونفيها فرض، وكل عمل مباح، فالهمة به مباحة، ونفيها فضيلة، وما خطر بقلبه من الخيرات المتأخرة فعلها فليعتقد النية بذلك ثم ليمض في صلاته ولا يشتغل بتدبيره كيف يكون، ومتى يكون أو كيف يكون فيه، وعنده إذا كان فيفوته الإقبال في الحال بتدبير شأنه في المآل، وهذا هو استراق من العدو عليه، وإلقاء من خدعه عليه، فإن جاهد هذا المصلي نفسه عن مسامرة الفكرة وقاتل عدوه في قطع وسواسه في الصدر كان مجاهدا في سبيل الله مقاتلا لمن يليه من أعداء الله تعالى، فله أجران أجر الصلاة للتقرب إلى الكريم وأجر المصابرة والمحاربة لعدوه الرجيم، فهذا حكم الخواطر وبه يتضح كلام المصنف .




الخدمات العلمية