الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم يراعي الهيبة في القراءة فيرتل ولا يسرد فإن ذلك أيسر للتأمل .

ويفرق بين نغماته في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم والتمجيد .

كان النخعي إذا مر بمثل قوله عز وجل : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله يخفض صوته كالمستحيي عن أن يذكره بكل شيء لا يليق به .

وروي أنه يقال لقارئ القرآن : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا .

التالي السابق


(ثم يراعي الهيبة) بسكون الجوارح وإصغاء القلب لفهم الخطاب (في القراءة) ، ويخشع (فيرتل) فيها ترتيلا مع التدبر لفهم معانيها، (ولا يسرد) سردا، (فإن ذلك) أي: الترتيل عدم السرد، (أيسر للتأمل) ، وفي القوت في ذكر أحزاب القرآن: وأفضل القراءة الترتيل؛ لأنه يجمع الأمر والندب، وفيه التدبر والتفكر. وروى علي بن أبي طالب قال: لا خير في قراءة لا تدبر فيها، ولا خير في عبادة لا فقه فيها. وعن ابن عباس : "لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذرمة".

(ويفرق) القارئ (بين نغماته) جمع نغمة، كثمرة وثمرات، والمراد بها الصوت (في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم والتمجيد) ، فإن مر بآية رحمة أظهرها وسأل ورغب، أو آية عذاب خفضها وفزع واستعاذ، وإن مر بتسبيح أو تعظيم وتحميد سبح وعظم وحمد، إن قال بلسانه فحسن، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه، وقال أبو حنيفة ما ورد فيه محمول على صلاة الليل .

وأما الفرائض فلا يصلح فيها شيء من ذلك، وإن أسره في قلبه ورفع به همه ناب قصده عن المقال، وكان فقره غاية السؤال، وهذا أحد الوجهين في قوله تعالى: يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ، ومما يدل على التفريق في نغمات القراءة ما روي أنه (كان النخعي) هو إبراهيم بن زيد أو خاله الأسود بن يزيد، ولكن إذا أطلق ينصرف إلى الأول غالبا، (إذا مر) في صلاته (بمثل قوله تعالى: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله يغض صوته) ، أي: يخفضه (كالمستحيي عن أن يذكره بكل شيء) ، وهذا إن ثبت فهو عند أصحابنا محمول على خارج الصلاة .

(وروي أنه يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا) قال العراقي: أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمر، وقال الترمذي : حسن صحيح، اهـ .

قلت: أخرجوه من طريق سفيان عن عاصم بن أبي النجود، عن ذر عن ابن عمرو اهـ .

وكذلك أخرجه أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عمرو، ورواه ابن أبي شيبة عنه [ ص: 153 ] موقوفا، ولفظهم جميعا: "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارقه ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها". وأخرجه أحمد أيضا وابن ماجه والعقيلي، ومحمد بن نصر عن أبي سعيد بلفظ: "يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه". ورواه ابن أبي شيبة عنه موقوفا .



(تنبيه) :

بين ارق واقرأ جناس القلب، وهو من جملة المحسنات البديعية كما في قوله تعالى: كل في فلك .




الخدمات العلمية