الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثامن : أن يقطع الصلاة عند خروج الإمام ويقطع الكلام أيضا بل يشتغل بجواب المؤذن ثم باستماع الخطبة .

وقد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذنين ولم يثبت له أصل في أثر ولا خبر ولكنه إن وافق سجود تلاوة فلا بأس بها للدعاء لأنه وقت فاضل ولا يحكم بتحريم هذا السجود ، فإنه لا سبب لتحريمه وقد روي عن علي وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا : من استمع وأنصت فله أجران ، ومن لم يستمع ، وأنصت فله أجر ومن سمع ، ولغا فعليه وزران ، ومن لم يستمع ، ولغا فعليه وزر واحد .

وقال صلى الله عليه وسلم : من قال لصاحبه والإمام يخطب : أنصت ، أو مه ، فقد لغا ، ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له .

التالي السابق


(الثامنة: أن يقطع الصلاة عند خروج الإمام) الذي هو الخطيب؛ يعني لصعوده على المنبر؛ أي: يمنع الإحرام بصلاة (ويقطع الكلام أيضا) يعني النطق بغير ذكر ودعاء، بمعنى أنه يكره من ابتدائه فيها إلى إتمامه إياها تنزيها عند الشافعية، وتحريما عند غيرهم، وتقدم التفصيل في ذلك؛ لما أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة رفعه: خروج الإمام يوم الجمعة للصلاة يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام.

قال الحافظ ابن حجر: ورواه مالك في الموطأ، وعن الزهري، والشافعي من وجه آخر عنه، وقال البيهقي: ورفعه عن أبي هريرة خطأ، والصواب من قول الزهري (بل يشتغل بجواب المؤذن) ، فيقول مثل ما قال (ثم باستماع الخطبة) بحضور قلبه (وقد جرت عادة بعض العوام) من المصلين (بالسجود عند مقام المؤذنين) للأذان قبل الخطبة (ولم يثبت له أصل في أثر) عن الصحابة والتابعين (ولا خبر) عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لكنه إن وافق) ذلك (سجود تلاوة) ، أو سجود في صلاة (فلا بأس بها) ، أي: بتلك السجدة (للدعاء) ، ويمتد إلى فراغهم (لأنه وقت فاضل) مفضل (ولا يحكم بتحريم هذا السجود، فإنه لا سبب لتحريمه) ، وغاية ما يقال: مباح، كذا في القوت (وقد روي عن علي وعثمان -رضي الله عنهما- أنهما قالا: من استمع) ، أي: الخطبة (وأنصت له أجران، ومن لم يستمع، وأنصت فله أجر) واحد (ومن سمع، ولغا فعليه وزران، ومن لم يسمع، ولغا فعليه وزر واحد) . هكذا في القوت موقوفا عليهما، إلا أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة بلفظ: دنا فاستمع وأنصت كان له كفلان من الأجر .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من قال لصاحبه والإمام يخطب: أنصت، أو صه، فقد لغا، ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له) . هكذا أورده صاحب القوت بتمامه .

قال العراقي: أخرجه الترمذي، والنسائي من حديث أبي

[ ص: 268 ] هريرة
دون قوله: من لغا فلا جمعة له. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو في الصحيحين: إذا قلت لصاحبك، ولأبي داود من حديث علي: من قال: صه فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. اهـ .

قلت: وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله مرسلا بمثل حديث الترمذي.

وأخرج من طريق سعيد بن أبي هند، عن حميد بن عبد الرحمن مثله .

وأخرج من طريق ابن أبي أوفى قال: ثلاث من سلم منهم غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى: من أن يحدث حدثا لا يعني أذى من بطنه، أو أن يتكلم، أو يقول: صه.

وأخرج من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: إذا قال يوم الجمعة والإمام يخطب: صه فقد لغا.

وأخرج أيضا من طريق مجاهد، عن عامر، عن ابن عباس رفعه: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة، وأخرجه أيضا أحمد، والبزار، وسياق البخاري أخرجه أحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والطحاوي، وروى أحمد أيضا من حديث ابن عباس، والذي يقول له أنصت، فلا جمعة له.



(تنبيه) :

أنصت بقطع الهمزة، ويجوز وصلها؛ الأول أفصح، والصاد مكسورة على كل حال، والمعنى اسكت، ولغو الكلام: سقطه، لغا يلغو لغوا، ويلغى لغة، والأولى أفصح، وفي رواية مسلم من طريق أبي الزناد، فقد لغيت بكسر الغين؛ قيل: هي لغة أبي هريرة، وجاء في رواية، فقد ألغيت يقال: ألغى الشيء إذا أسقطه، ولم يعتد به .




الخدمات العلمية