الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما ركعتان قبلهما بين أذان المؤذن وإقامة المؤذن على سبيل المبادرة فقد نقل عن جماعة من الصحابة كأبي بن كعب وعبادة بن الصامت وأبي ذر وزيد بن ثابت وغيرهم قال عبادة أو غيره كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب ابتدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري يصلون ركعتين وقال بعضهم : كنا نصلي الركعتين قبل المغرب حتى يدخل الداخل فيحسب أنا صلينا فيسأل : أصليتم المغرب ؟ وذلك يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : بين كل أذانين صلاة لمن شاء .

التالي السابق


( وأما ركعتان قبلها بين أذان المؤذن وإقامته على سبيل المبادرة) أي: الإسراع؛ ( فقد نقل عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كأبي بن كعب) الأنصاري، ( وعبادة بن الصامت) الأنصاري، ( وأبي ذر ) الغفاري، ( وزيد بن ثابت) الأنصاري، ( وغيرهم) من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كعبد الرحمن بن عوف.

أما أبي بن كعب وعبد الرحمن بن عوف، فأخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف قال: حدثنا شريك، عن عاصم، عن زر قال: رأيت عبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب إذا أذن المؤذن المغرب قاما فصليا ركعتين. أخرجه أيضا عبد الله بن أحمد في زيادات المسند .

وأما الثلاثة بعده فلم أجد. نعم روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر، قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: ما رأيت فقيها يصلي قبل المغرب إلا سعد بن أبي وقاص .

وحدثنا وكيع، عن شعبة، قال: سمعت شيخا بواسط يقول: سمعت طاوسا يقول: سألت ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فلم ينه عنهما، وعن عبد الله بن مغفل، وعقبة بن عامر كما عند البخاري. وسيأتي .

وأما من بعد الصحابة فنقل ذلك ابن أبي شيبة، عن ابن أبي ليلى، والحسن؛ حدثنا وكيع، عن شعبة، عن الحكم، قال: رأيت ابن أبي ليلى صلى ركعتين قبل المغرب.

وحدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، قال: أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلون عند كل تأذين.

وحدثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، قال: قال تميم بن سلام، أو سلام بن تميم للحسن: ما تقول في الركعتين قبل المغرب؟ فقال: حسنتان جميلتان لمن أراد الله بهما .

( قال عبادة) بن الصامت رضي الله عنه ( أو غيره) من الصحابة: ( كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب ابتدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري) جمع سارية هي الأسطوانة ( يصلون ركعتين) .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أنس لا عبادة. اهـ .

قلت: وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا الثقفي، عن حميد، عن أنس قال: سئل عن الركعتين قبل المغرب، قال: رأيتهم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري فصلوا .

حدثنا غندر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء عن أبي فزارة قال: سألت أنسا عن الركعتين قبل المغرب فقال: كنا نبتدرهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( وقال بعضهم: كنا نصلي الركعتين قبل المغرب حتى يدخل الداخل فيحسب) أي: يظن ( أنا قد صلينا فيسأل: أصليتم المغرب؟)
قال العراقي: أخرجه مسلم من حديث أنس. اهـ .

وقال البخاري في الصحيح: باب الصلاة قبل المغرب: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن ابن بريدة، حدثني عبد الله بن مغفل المزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل صلاة المغرب. قال في الثالثة: لمن شاء. كراهية أن يتخذها الناس سنة.

حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: سمعت مرثد بن عبد الله اليزني قال: أتيت عقبة بن عامر الجهني، فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب؟ فقال عقبة: إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل. اهـ .

والحديث الأول قد أخرجه أبو داود أيضا ( وذلك يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: بين كل أذانين) أي أذان وإقامة. فغلب، وحمل أحد الاسمين على الآخر سائغ شائع كالعمرين، ذكره الزمخشري وغيره، وتبعه القاضي. فقال: غلب الأذان على الإقامة، وسماهما باسم واحد، وقال جماعة: لا حاجة إلى ارتكاب لتغليب .

فإن الإقامة أذان حقيقة؛ لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت. فهو حقيقة لغوية، وإليه جنح الطيبي.

( صلاة) أي: وقت صلاة، ونكرت؛ لتناول كل عدد نواه المصلي من النفل، وإنما لم يجر على ظاهره؛ لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخبر نطق بالتخبير بقوله: ( لمن شاء) أن يصلي. فذكره؛ دفعا لتوهم الوجوب؛ أخرجه أحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، والستة؛ كلهم من [ ص: 351 ] حديث عبد الله بن مغفل قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن عبد الله بن مغفل رفعه: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، لمن شاء".

حدثنا عبد الأعلى عن الجريري عن ابن بريدة مثله، وهكذا هو عند البخاري تكرار القول ثلاث مرات، وفي آخره: لمن شاء. وقال البزار في مسنده: حدثنا عبد الواحد بن غياث، عن حيان بن عبيد الله، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رفعه مثله. إلا أنه قال: إلا المغرب، أي فإنه ليس بين أذانها وإقامتها صلاة، بل يندب المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها كان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها، وبه تمسك أبو حنيفة فكره النفل قبلها، وخص به خبر عبد الله بن مغفل.

وأخرج أبو داود بإسناد حسن من حديث ابن عمر قال: ما رأيت أحدا يصلي ركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال البزار بعد أن ذكر الحديث المذكور: لا نعلم رواه إلا حيان، وهو بصري مشهور، لا بأس به. اهـ .

وقال الهيتمي: ضعفه ابن عدي، وقيل: إنه اختلط. وحكم ابن الجوزي بوضعه، وقال: تفرد به حيان، كذبه الفلاس. وتعقبه الحافظ السيوطي في اللآلئ المصنوعة فقال: الذي كذبه الفلاس غير هذا .

وقال الولي العراقي: ولا خلاف في استحباب جميع النوافل المذكورة في الأحاديث إلا في الركعتين قبل المغرب، ففيهما وجهان لأصحابنا أشهرهما لا يستحب. والصحيح عند المحققين استحبابهما. اهـ .

قلت: والذي صححه النووي أنهما سنة للأمر بهما في حديث ابن مغفل عند البخاري، وقال مالك بعدم السنية. وقال في المجموع: واستحبابهما قبل الشروع في الإقامة، فإن شرع فيها كره الشروع في غير المكتوبة. اهـ .

وقال النخعي: إنهما بدعة لأنه يؤدي إلى تأخير الفرض عن أول وقته. وهذا قد منعه النووي في شرح مسلم .

وحكمة استحبابهما كما قال ابن الجوزي وغيره: رجاء إجابة الدعاء لأنه بين الأذانين لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر. ومجموع الأحاديث يدل على استحباب تخفيفهما كركعتي الفجر .




الخدمات العلمية