الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أما عدد ركعاتها فأكثر ما نقل فيه ثمان ركعات .

روت أم هانئ أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثماني ركعات أطالهن وحسنهن ، ولم ينقل هذا القدر غيرها .

فأما عائشة رضي الله عنها فإنها ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعا ، ويزيد ما شاء الله سبحانه فلم تحد الزيادة إلى أنه كان يواظب على الأربعة ولا ينقص منها ، وقد يزيد زيادات .

وروي في حديث مفرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات .

التالي السابق


( أما عدد ركعاتها) فاختلف فيه؛ ( فأكثر ما نقل فيه ثمان ركعات) اعلم أن أقل صلاة الضحى ركعتان؛ دل على ذلك حديث أبي ذر المتقدم عند مسلم، وهو كذلك بالإجماع، وإنما اختلفوا في أكثرها، فحكى النووي في شرح المهذب عن أكثر الأصحاب: أن أكثرها ثمان، كما ذكره المصنف وهو مذهب الحنابلة، كما ذكره في المغني، وجزم الرافعي في الشرح الصغير، والمحرر، والنووي في الروضة، والمنهاج تبعا للروياني: بأن أكثرها اثنتي عشرة ركعة، وورد فيه حديث ضعيف رواه البيهقي وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا: "إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، وإن صليتها أربعا كتبت من المحسنين، وإن صليتها ستا كتبت من القانتين، وإن صليتها ثمانيا كتبت من الفائزين، وإن صليتها عشرا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب، وإن صليتها اثنتي عشرة بنى الله لك بيتا في الجنة" أشار البيهقي إلى ضعفه بقوله في إسناده نظر، وذكر أبو حاتم الرازي أنه روي عن أبي ذر وأبي الدرداء، قيل له: أيهما أشبه؟ قال: جميعا مضطربين، ليس لهما في الرواية معنى .

قلت: إلا أن المنذري قال في حديث أبي الدرداء: رجاله ثقات، ولفظه عند الطبراني في الكبير "من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعة كتب من العابدين، ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيا كتب من القانتين، ومن صلى اثنتي عشرة بنى الله له بيتا في الجنة"، وروى الترمذي في العلل المفرد من طريق يونس بن بكير، عن أبي إسحاق، حدثني موسى بن خلاف بن أنس، عن عمه ثمامة بن أنس، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة"، وقال: سألت محمدا فقال: هذا حديث يونس بن بكير، ولم يعرف من حديث غيره، وقال الروياني في الحلية: أكثرها ثنتا عشرة ركعة، وكلما زاد كان أفضل، وقال الحليمي: الأمر في مقدارها إلى المصلى كسائر التطوع، وهما غريبان في المذهب، وبذلك قال بعض السلف؛ قال محمد بن جرير الطبري بعد ذكره اختلاف الآثار في ذلك: الصواب إذا كان الأمر كذلك أن يصليها من أراد على ما شاء من العدد، وقد روي هذا عن قوم من السلف، ثم روى بإسناده أن الأسود سئل: كم أصلي الضحى؟ قال: كما شئت .

ولما ذكر النووي في الروضة أن أكثرها ثنتا عشرة قال: وأفضلها ثمان. وقال في شرح مسلم: أكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع، أو ست، ثم احتج المصنف على القول بأن أكثرها ثمان، فقال: ( روت أم هانئ) فاختة، وقيل: هند ( أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما) ، وهي شقيقة أمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم أسلمت عام الفتح، وعاشت بعد علي دهرا طويلا، روى لها الجماعة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثمان ركعات أطالهن وأحسنهن، ولم ينقل هذا العدد غيرها) . قال العراقي: متفق عليه دون زيادة أطالهن وأحسنهن، وهي منكرة. اهـ .

قلت: لفظ البخاري، حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ؛ فإنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل، وصلى ثمان ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود، وأخرجه مالك في الموطأ، ومسلم من طريق أبي مرة عنها نحوه، وأخرجها ابن خزيمة من طريق كريب عنها، وزاد: يسلم من كل ركعتين، وفي المصنف لأبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، حدثنا خالد ابن أبي صالح مولى أم هانئ قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي يوم فتح مكة، فوضعت له ماء فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعات صلاة الضحى لم يصلهن قبل يومه، ولا بعده.

وكيع، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي ليلى قال: لم يخبرنا أحد من الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا أم هانئ فإنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي يوم فتح مكة فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعات، فخفف فيهن الركوع والسجود، لم أره صلاهن قبل يومئذ ولا بعده.

ابن عيينة عن يزيد ابن أبي ليلى قال: أدركت الناس، وهم متوافرون أو متوافون [ ص: 369 ] فلم يخبر أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا أم هانئ؛ فإنها أخبرتني أنه صلاها ثمان ركعات.

أبو خالد، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي مرة مولى أم هانئ، عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثمان ركعات. اهـ .

ولفظ مسلم من حديثها: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود، وبمجموع الروايات ظهر أن الزيادة منكرة كما قاله العراقي، وكان المراد بذلك في المتفق عليه من حديث أم هانئ، فلا يعارض ذلك في حديث غيرها، من ذلك ما رواه البزار في مسنده من حديث سعد بن أبي وقاص أنه أطال القراءة والركوع، لكن في سنده عبد الله بن شبيب، وهو متروك .

وقال ابن أبي شيبة في المصنف: ابن نمير، عن محمد بن إسحاق، عن حكم بن حكيم، عن علي بن عبد الرحمن، عن حذيفة رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية فصلى الضحى ثمان ركعات طول فيهن، وقد ثبت بحديث حذيفة عدد الثمانية .

وممن روى عنه أنه كان يصلي ثمان ركعات سعد بن مالك رضي الله عنه. رواه ابن أبي شيبة من طريق سعيد ابن عمر قال: صليت وراء سعد بن مالك، وهو يسبح الضحى فركع ثمان ركعات، أعدهن لا يقعد فيهن حتى قعد في آخرهن فتشهد، ثم سلم فانطلق .

ومنهم عائشة رضي الله عنها، رواه ابن أبي شيبة من طريق ابن رميثة، عن جدته قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، وهي تصلي الضحى فصلت ثمان ركعات، ومن طريق القعقاع بن حكيم، عن جدته رميثة قالت: دخلت على عائشة بيتا كانت تخلو فيه، فرأيتها صلت الضحى ثمان ركعات.

ومنهم أم سلمة رضي الله عنها رواه ابن أبي شيبة من طريق شعبة عن رجل عنها: أنها كانت تصلي ثمان ركعات، وهي قاعدة، ( فأما عائشة رضي الله عنها فإنها قد ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء الله) . أخرجه مسلم من حديث معاذة أنها سألت عائشة: كم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله، وكذلك رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي في الشمائل .

( فلم تحد الزيادة) على الأربعة ( ألا أنه كان يواظب على الأربع) ركعات، وهو العدد الأوسط، وفهم المصنف المواظبة من لفظ كان الدالة على استمرار العمل، وفيه خلاف عند الأصوليين. ( ولا ينقص منها، وقد يزيد زيادات) ، وروي عن عائشة أنها كانت تصلي الضحى أربعا، رواه ابن أبي شيبة في المصنف من طريق شعبة، عن رجل، عن أم سلمة أنها كانت تصلي الضحى أربعا. رواه ابن أبي شيبة في المصنف من طريق شعبة، عن رجل، عن أم سلمة: أنها كانت تصلي الضحى ثمان ركعات، وهي قاعدة فقيل لها: إن عائشة تصلي أربعا فقالت: عائشة امرأة شابة، وكأنها أشارت إلى أن الثمانية يرجعن إلى أربعة في الأجر، فإن صلاة القاعد كنصف صلاة القائم.

وروي من طريق إبراهيم، عن علقمة أنه كان إذا حضر المصر صلى الضحى أربعا .

قلت: وهو الراجح عند أصحابنا كما صرح به غير واحد منهم، وقرأت في ترجمة يزيد بن هارون أنه كان يصلي الضحى ست عشرة ركعة، فهذا نهاية ما بلغنا من الزيادة .

( وروي في حديث مفرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات) . قال العراقي: أخرجه الحاكم في فضل صلاة الضحى من حديث جابر، ورجاله ثقات. اهـ .

قلت: وأخرجه الترمذي في الشمائل من حديث أنس، وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث علي كما سيأتي في الذي بعده، وقد روي أيضا من فعل عائشة؛ رواه ابن أبي شيبة في المصنف من طريق تميمة بنت دهشم أنها رأت عائشة صلت من الضحى ست ركعات .




الخدمات العلمية