الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فهذه الصلوات المأثورة .

ولا يستحب شيء من هذه النوافل في الأوقات المكروهة إلا تحية المسجد وما أوردناه بعد التحية من ركعتي الوضوء ، وصلاة السفر ، والخروج من المنزل والاستخارة ، فلا لأن النهي مؤكد وهذه الأسباب ضعيفة فلا تبلغ درجة الخسوف والاستسقاء والتحية .

وقد رأيت بعض المتصوفة يصلي في الأوقات المكروهة ركعتي الوضوء وهو في غاية البعد لأن الوضوء لا يكون سببا للصلاة ، بل الصلاة سبب الوضوء .

، فينبغي أن يتوضأ ليصلي ، لا أنه يصلي لأنه توضأ .

وكل ، محدث يريد أن يصلي في وقت الكراهية فلا سبيل له إلا أن يتوضأ ، ويصلي فلا يبقى للكراهية معنى .

ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية بل إذا توضأ صلى ركعتين تطوعا كيلا يتعطل وضوء كما كان يفعله بلال فهو تطوع محض يقع عقيب الوضوء .

وحديث بلال لم يدل على أن الوضوء سبب كالخسوف والتحية حتى ينوي ركعتي الوضوء فيستحيل أن ينوي بالصلاة الوضوء ، بل ينبغي أن ينوي بالوضوء الصلاة .

وكيف ينتظم أن يقول في وضوئه : أتوضأ لصلاتي وفي صلاته يقول ، أصلي لوضوئي ، بل من أراد أن يحرس وضوءه عن التعطيل في وقت الكراهية فلينو قضاء إن كان يجوز أن يكون في ذمته صلاة تطرق إليها خلل لسبب من الأسباب ، فإن قضاء الصلوات في أوقات الكراهية غير مكروه .

التالي السابق


ثم نعود لشرح كلام المصنف؛ قال: ( فهذه هي الصلاة المأثورة) على وجهها، ( ولا يستحب شيء من هذه النوافل) المذكورة ( في الأوقات) الخمسة ( المكروهة) المتقدم ذكرها ( إلا تحية المسجد) فهي مستثناة من ذلك، ( وما أوردناه قبلها) ، وهي صلاة الكسوف والاستسقاء والجنازة، فإن كلا من ذلك مستثناة مثل تحية المسجد، وعند أبي حنيفة النهي عنها على العموم إلا صلاة الجنازة، كما تقدم، ( وما أوردناه بعد التحية من ركعتي الوضوء، وصلاة السفر، والخروج من المنزل والاستخارة، فلا يجوز لأن النهي مؤكد) فإن في بعض روايات الحديث الوارد في النهي بنون التأكيد، ( وهذه الأسباب ضعيفة) ، يشير إلى ما أجمعوا عليه من كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، ثم قسم أصحاب الشافعي السبب إلى قوي وضعيف، فاعتبروا من الأسباب ما كان قويا، واعتبروا أيضا أن يكون السبب متقدما عليه أو مقارنا له، فيجوز فعله في وقت الكراهة، وحيث ثبت أن أسباب ما أورده بعد التحية ضعيفة ( فلا تبلغ درجة الخسوف والاستسقاء والتحية) فإن أسبابها قوية، ولكن في ركعتي الوضوء اختلاف، والذي ذهب إليه المصنف هنا أنها لا تجوز في وقت الكراهة .

وذهب الولي العراقي في شرح التقريب إلى جوازها، ولو توضأ في وقت الكراهة، وقالوا: في صلاة الاستسقاء بجوازها على الأصح؛ خلافا لما صححه النووي في شرح المهذب، وفي تحية المسجد قالوا: بجوازها إذا دخل لغرض غير صلاة التحية، فلو دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية فقط، ففيه وجهان ذكر الرافعي والنووي أن أقيسهما [ ص: 484 ] الكراهة ( وقد رأيت بعض المتصوفة يصلي في الأوقات المكروهة ركعتي الوضوء) معتمدا على ما نقلناه عن الولي العراقي بجوازها؛ لأنها ذات سبب مقارن، ( وذلك في غاية البعد) عن الصواب؛ ( لأن الوضوء لا يكون سببا للصلاة، بل الصلاة سبب للوضوء، فينبغي أن يتوضأ ليصلي، لا أنه يصلي لأنه توضأ، وقل محدث يريد أن يصلي في وقت الكراهة فلا سبيل له إلا) ، وفي نسخة إلى ( أن يتوضأ، ويصلي فلا يبقى للكراهة معنى) حينئذ ( ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية) إلا أن النووي قال في الروضة: ينوي بهما سنة الوضوء، ( بل إذا توضأ صلى ركعتين تطوعا) ينوي فيهما: أصلي ركعتين لله تعالى ( كيلا يتعطل وضوؤكما كما يفعله بلال) رضي الله عنه، كما تقدم في حديثه السابق ( فهو تطوع محض يقع عقب الوضوء، وحديث بلال لم يدل على أن الوضوء سبب) للصلاة ( كالخسوف والتحية حتى ينوي ركعتي الوضوء فيستحيل أن ينوي بالصلاة الوضوء، بل ينبغي أن ينوي بالوضوء الصلاة، وكيف ينتظم أن يقول في وضوئه: أتوضأ لصلاتي، و) يقول في صلاته: ( أصلي لوضوئي، بل من أراد أن يحرس وضوءه عن التعطيل) ، وكان توضأ في وقت الكراهة، ( فلينو) بتلك الركعتين ( قضاء) مما عليه في ذمته ( إن كان يجوز أن يكون في ذمته قضاء صلاة تطرق الخلل إليها بسبب من الأسباب، فإن قضاء الصلوات) الفائتة ( في أوقات الكراهة غير مكروهة) ، صرح به الأصحاب قالوا: ولو كانت من السنن الرواتب، أو من النوافل التي اتخذها الإنسان ردا له .




الخدمات العلمية