وأما الآيات التي استدلوا بها فهو إنكار عليهم من حيث تركهم المعروف ، لا من حيث أمرهم ، ولكن أمرهم دل على قوة علمهم ، وعقاب العالم أشد لأنه لا عذر له مع قوة علمه ، وقوله تعالى : لم تقولون ما لا تفعلون ، المراد به الوعد الكاذب وقوله عز وجل : وتنسون أنفسكم إنكار من حيث إنهم نسوا أنفسهم ، لا من حيث إنهم أمروا غيرهم ، ولكن ذكر أمر الغير استدلالا به على علمهم ، وتأكيدا للحجة عليهم ، وقوله يا ابن مريم ، عظ نفسك . الحديث هو في وقد سلمنا أن وعظ الفاسق ساقط الجدوى عند من يعرف فسقه ، ثم قوله: فاستحى مني، لا يدل على تحريم وعظ الغير، بل معناه استحى : مني فلا تترك الأهم ، وتشتغل بالمهم ، كما يقال : احفظ أباك ، ثم جارك ، وإلا فاستحي فإن قيل : فليجز الحسبة بالوعظ ، إذا رآه يزني ؛ لأن قوله : لا تزن ؛ حق في نفسه ، فمحال أن يكون حراما عليه ، بل ينبغي أن يكون مباحا أو واجبا، قلنا: الكافر إن منع المسلم بفعله فهو تسلط عليه فيمنع من حيث إنه تسلط ، وما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وأما مجرد قوله: لا تزن فليس بمحرم عليه من حيث إنه نهى عن الزنا ، ولكن من حيث إنه إظهار دالة الاحتكام على المسلم ، وفيه إذلال للمحتكم عليه ، والفاسق يستحق الإذلال ، ولكن لا من الكافر الذي هو أولى بالذل منه فهذا وجه منعنا إياه من الحسبة ، وإلا فلسنا نقول : إن الكافر يعاقب بسبب قوله : لا تزن من حيث إنه نهى ، بل نقول: إنه إذا لم يقل: لا تزن؛ يعاقب عليه ، إن رأينا خطاب الكافر بفروع الدين وفيه نظر استوفيناه في الفقهيات ولا يليق بغرضنا الآن . للكافر الذمي أن يحتسب على المسلم