الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومرة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشر في يدها فأكلوا كلهم حتى شبعوا من ذلك ، وفضل لهم .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم - أنه أطعم (مرة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشر) كذا في النسخ بكسر الموحدة ، وسكون الشين المعجمة وفي بعضها بضم الموحدة ، وسكون المهملة ، وكلاهما غلط ، والصواب بنت بشير كأمير ، (في يديها فأكلوا كلهم حتى شبعوا من ذلك ، وفضل لهم) .

قال العراقي : رواه البيهقي في دلائل النبوة ، من طريق ابن إسحاق ، حدثنا سعيد بن يسار ، عن ابنة بشير بن سعد ، وإسناده جيد اهـ .

قلت : هكذا هو في كتاب العراقي : حدثنا سعيد بن يسار ، والذي في الدلائل للبيهقي سعيد بن ميناء ، وهو غير سعيد بن يسار ، فإن سعيد بن ميناء يكنى أبا الوليد ، روى له الشيخان وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وسعيد بن يسار يكنى أبا [ ص: 170 ] الحباب ، روى له الجماعة ، قال البيهقي في الدلائل : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا يونس ، عن ابن إسحاق ، حدثني سعيد بن ميناء ، عن ابنة بشير بن سعيد ، قالت : "بعثتني أمي بتمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي ، وهم يحفرون الخندق ، فمررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم - فناداني ، فأتيته ، فأخذ التمر مني في كفيه ، وبسط ثوبا فنشره عليه ، فتساقط في جوانبه ، ثم أمر بأهل الخندق ، فاجتمعوا وأكلوا حتى صدروا عنه " اهـ .

كذا في نسخة الدلائل بشير بن سعيد ، وعليها سماع العراقي على المحب الخلاطي ، والذي يظهر بشير بن سعد ، كما ذكره العراقي ، وهو بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي ، والد النعمان وأمه عمرة بنت رواحة ، أخت عبد الله بن رواحة ، صحابية ، وهذه المعجزات الخمس التي ذكرها المصنف بعد انشقاق القمر تتعلق بتكثير الطعام القليل ببركته ودعائه .

ومن هذا الباب أيضا ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قال : "لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة ، فقال عمر : يا رسول الله ، ادعهم بفضل أزوادهم ، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة ، فقال : نعم ، فدعا بنطع فبسط ، ثم دعا بفضل أزوادهم ، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ، ويجيء الآخر بكسرة ، حتى اجتمع على النطع شيء يسير ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالبركة ، ثم قال : خذوا في أوعيتكم ، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤه ، قال : فأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة " الحديث .

ومن ذلك ما روى البخاري ومسلم من حديث أنس قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - عروسا بزينب فعمدت أي أم سليم - إلى تمر وسمن ، وأقط ، فصنعت حيسا ، فجعلته في تور ، فقالت : يا أنس ، اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقل : بعثت بهذا إليك أمي ، وهي تقرئك السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-ضعه ثم قال : اذهب فادع لي فلانا وفلانا رجالا سماهم ، وادع لي من لقيت فدعوت من سمى ، ومن لقيت ، فرجعت ، فإذا البيت غاص بأهله ، قيل لأنس : كم كانوا ، قال : زهاء ثلاثمائة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم - وضع يده على تلك الحيسة ، وتكلم بما شاء الله ، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ، ويقول لهم : اذكروا اسم الله ، وليأكل كل رجل مما يليه ، قال : فأكلوا حتى شبعوا ، فخرجت طائفة حتى أكلوا كلهم قال لي : يا أنس ، ارفع فرفعته ، فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حيث رفعت " .

ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر قال : " إن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم - في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها ، فيسألون الأدم ، وليس عندهم شيء فتعمد إلى التي كانت تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم - فتجد فيها سمنا ، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم - قال : أعصرتيها ؟ قالت : نعم ، قال : لو تركتيها ما زال قائما " .

ومن ذلك ما رواه مسلم عنه أيضا "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم - يستطعمه فأطعمه شطر وسق من شعير ، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه ، حتى كاله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : لو لم تكله لأكلتم منه ، ولقام لكم " ، قال النووي في شرح مسلم : والحكمة في ذهاب بركة السمن حين عصرت العكة وإعدام بركة الشعير حين كاله أن عصرها وكيله مضاد للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى ، ويتضمن الأخذ بالحول والقوة ، وتكلف الإحاطة بأسرار حكم الله تعالى وفضله فعوقب فاعله بزواله .

ومن ذلك ما أخرج الدارمي ، وابن أبي شيبة ، والترمذي ، من حديث سمرة بن جندب قال : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - نتداول من قصعة من غدوة حتى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة ، قلنا فما كانت تمد قال : من أي شيء تعجب ؟ ما كانت تمد إلا من هاهنا ، وأشار بيده إلى السماء " ورواه أيضا الحاكم وصححه وأبو نعيم ، والبيهقي كلاهما في الدلائل .

ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومائة ، وإنه عجن صاع وصنعت شاة فشوى سواد بطنها قال : وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له حزة من سواد بطنها ، ثم جعل منها قصعتين ، فأكلنا أجمعون ، وفضل من القصعتين فحملته على البعير .

ومن ذلك أيضا ما أخرجه ابن أبي شيبة ، والطبراني ، وأبو نعيم في الدلائل من حديث أبي هريرة ، قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أدعو أهل الصفة ، فتتبعتهم حتى جمعتهم ، فوضعت بين أيدينا صحفة ، فأكلنا ما شئنا وفرغنا [ ص: 171 ] وهي مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع ، ومن ذلك أيضا ما ذكره صاحب الشفاء من حديث علي بن أبي طالب ، قال : "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب ، وكانوا أربعين منهم قوم يأكلون الجذعة ، ويشربون الفرق ، فصنع لهم مدا من طعام ، فأكلوا حتى شبعوا ، وبقي كما هو ، ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا منه وبقي كأنه لم يشرب منه " .




الخدمات العلمية