الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وخطب صلى الله عليه وسلم امرأة فقال له أبوها : إن بها برصا امتناعا من خطبته ، واعتذارا ، ولم يكن بها برص ، فقال صلى الله عليه وسلم : فلتكن كذلك فبرصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر .

إلى غير ذلك من آياته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتصرنا على المستفيض .

التالي السابق


(و) من معجزاته -صلى الله عليه وسلم - أنه (خطب امرأة) من أبيها (فقال أبوها : إن بها برصا امتناعا من خطبته ، واعتذارا ، ولم يكن بها برص ، فقال -صلى الله عليه وسلم - : فلتكن كذلك فبرصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر) .

قال العراقي : هذه المرأة ذكرها ابن الجوزي في التلقيح ، وسماها جمرة بنت الحارث بن عوف المزني ، وتبعه على ذلك الدمياطي في جزء له في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم - ولم يصح ذلك اهـ .

قلت : وقيل : اسمها أمامة ، وقيل : قرصافة وهو الأكثر وهي ابنة الحارث بن عوف بن علي بن حارثة المزني وأبوها من فرسان الجاهلية ، وكان قد بقي عليه شيء من دمائهم ، فلما أسلم أهدره النبي -صلى الله عليه وسلم - وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - خطب إليه ابنته ، فقال : لا أرضاها لك إن بها سوءا ، ولم يكن بها ، فرجع فوجدها قد برصت ، فتزوجها ابن عمها يزيد بن حمزة المزني ، فولدت له شبيبا ، فعرف بابن البرصاء ، واسم البرصاء قرصافة ، ذكر ذلك الرشاطي .

وذكر العراقي في تخريجه قبل هذه المعجزة معجزة أخرى ، وهذا لفظه : "ويد طلحة لما زاد ما كان بها من شلل أصابها يوم أحد حتى مسحها بيده " ، قال : رواه النسائي من حديث جابر لما كان يوم أحد ، وفيه : "فقاتل طلحة حتى ضربت يده فقطعت أصابعه " ، فقال : حسن ، وليس فيه مسحها ، وللبخاري من حديث قيس رأيت يد طلحة شلاء ، وقى بها النبي -صلى الله عليه وسلم - هذا آخر كلامه ، ولم أجد ذلك في نسخ الإحياء الموجودة عندي (إلى غير ذلك من آياته ومعجزاته صلوات الله عليه وسلامه ، وإنما اقتصرنا على المستفيض) المشهور ، ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم - رد الشمس له ، أخرجه الحافظ أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار ، وابن منده ، وابن شاهين ، والطبراني في الكبير بإسناد حسن ، من حديث أسماء بنت عميس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالصهباء ، ثم أرسل عليا في حاجة ، فرجع وقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم - العصر ، فوضع -صلى الله عليه وسلم - رأسه في حجر علي فنام ، ولم يحركه حتى غابت الشمس ، فقال -صلى الله عليه وسلم - "اللهم إن عبدك عليا احتبس بنفسه على نبيه ، فرد عليه الشمس حتى وقفت على الجبال وعلى الأرض ، وقام علي ، فتوضأ وصلى العصر ، ثم غابت الشمس ، وذلك بالصهباء " ، وفي لفظ آخر : "كان -صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي يغشى عليه يوما فأنزل الله عليه يوما وهو في حجر علي ، فقال له النبي [ ص: 192 ] -صلى الله عليه وسلم-: " صليت العصر يا علي ؟ " قال: لا يا رسول الله ، فدعا الله فرد عليه الشمس حتى صلى العصر . قالت أسماء: فرأيت الشمس طلعت بعدما غابت حين ردت حتى صلى العصر ، وقد صحح الحديث الطحاوي ونقله عنه القاضي عياض في الشفاء، وأقره على تصحيحه. وقال: اختلف في حبسها هنا فقيل : ردت على أدراجها ، وقيل: وقفت ولم ترد ، وقيل: المراد بطء حركتها. قال: وكل ذلك من معجزات النبوة اهـ .

وقال الطحاوي: إن أحمد بن صالح كان يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء؛ لأنه من علامات النبوة .

وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وكأنه تبع قول إمامه أحمد ، فيما نقل عنه الحافظ ابن حجر في تخريج الرافعي أنه لا أصل له. وتبعه ابن تيمية فذكر في الجزء الذي رد فيه على الروافض أنه موضوع. وقال الجوزي: في سنده أحمد بن داود متروك الحديث كذاب، كما قاله الدارقطني. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث. ثم قال ابن الجوزي : وهذا حديث باطل ، ومن تغفل واضعه أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يلمح عدم الفائدة فيها ، وأن صلاة العصر بغيبوبية الشمس تصير قضاء ، ورجوع الشمس لا يعيدها أداء .

قلت: وهذا تحامل من ابن الجوزي وقد رد عليه الحافظان: السخاوي والسيوطي، وحاله في إدراج الأحاديث الصحيحة في حيز الموضوعات معلوم عند الأئمة ، وقد رد عليه وعابه كثيرون من أهل عصره ومن بعدهم ، كما نقله الحافظ العراقي في أوائل نكته على ابن الصلاح ، فلا نطيل بذكره ، وهذا الحديث صححه غير واحد من الحفاظ حتى قال السيوطي: إن تعدد طرقه شاهد على صحته ، فلا عبرة بقول ابن الجوزي ، وقوله: ولم يلمح عدم الفائدة فيها .

أجيب بأنه: بل فيه فائدة؛ وهو عود الوقت بعودها. وقوله: رجوع الشمس لا يعيدها أداء. أجاب عنه ابن حجر في شرح الإرشاد: بأنه لو غربت الشمس ثم عادت عاد الوقت أيضا لهذا الحديث .

وقال الشهاب في شرح الشفاء: إنكار ابن الجوزي فائدة ردها مع القضاء لا وجه له؛ فإنها فائتة بعذر مانع من الأداء وهو عدم تشويشه على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وهذه فضيلة فلما عادت حاز فضيلة الأداء أيضا .

وقال غيره: دل ثبوت الحديث على أن الصلاة وقعت أداء ، وبذلك صرح القرطبي في التذكرة قال: فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا، وأنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه ، ذكره في باب ما يذكر الموت والآخرة في أوائل التذكرة ، ووجهه أن الشمس لما عادت كأنها لما تغب، والله أعلم اهـ .

وروى الطبراني في الأوسط من حديث جابر بإسناد حسن: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الشمس فتأخرت ساعة. وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن إسحاق كما ذكره القاضي عياض: لما أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التي في العير قالوا: متى تجيء ؟ قال: " يوم الأربعاء" فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجئ ، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس، ولا يعارضه ما في الصحيح أن الشمس لم تحبس لأحد إلا ليوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة بأن يقال: إن المعنى لم تحبس على أحد من الأنبياء غيره إلا ليوشع .



ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم-: تسليم الحجر عليه بمكة ، روى مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: قال -صلى الله عليه وسلم- : " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن " .

وقد اختلف فيه فقيل : هو الحجر الأسود ، وقيل: بل الذي بزقاق المرفق المشهور بمكة ، ومما يقويه ما ذكره الإمام أبو عبد الله محمد بن رشيد بالضم في رحلته مما ذكره في شفاء الغرام عن علم الدين أحمد بن أبي بكر بن خليل؛ أخبرني عمي سليمان ، أخبرني محمد بن إسماعيل بن أبي الضيف ، أخبرني أبو حفص الميانشي، قال: أخبرني كل من لقيته بمكة أن هذا الحجر هو الذي كلم النبي -صلى الله عليه وسلم- .

وروى الترمذي والدارمي والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال: كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة فخرجنا في بعض نواحيها ، فما استقبله شجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله.

وروى الترمذي وأبو نعيم في الدلائل من حديث عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله ".

وروى البيهقي في الدلائل من حديث جابر قال: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر بحجر ولا شجر [ ص: 193 ] إلا سجد له .



ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم- تأمين أسكفة الباب وحوائطه على دعائه ثلاثا ، وهو ما رواه أبو نعيم في الدلائل من حديث أبي أسيد الساعدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعباس بن عبد المطلب: " لا تبرح منزلك أنت وبنوك غدا حتى آتيكم؛ فإن لي فيكم حاجة " فانتظروه حتى جاء بعدما أضحى ، فدخل عليهم فقال: " السلام عليكم " فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قال: " كيف أصبحتم ؟ " قالوا: أصبحنا بخير، نحمد الله تعالى. فقال لهم: " تقاربوا " فتقاربوا يزحف بعضهم إلى بعض ، حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءة فقال: " يا رب هذا عمي وصنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه " قال: فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين. ورواه ابن ماجه مختصرا .



ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم-: كلامه للجبل وكلام الجبل له؛ روى أحمد والبخاري والترمذي وأبو حاتم من حديث أنس؛ قال: صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان أحدا ، فرجف بهم ، فضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- برجله وقال: " اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " . قال ابن المنير: قيل: الحكمة في ذلك أنه لما رجف أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى لما حرفوا الكلم ، وأن تلك رجفة الغضب وهذه هزة الطرب ، ولهذا نص على مقام النبوة والصديقية والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانه ، فأقر الجبل بذلك واستقر ، ومن ثم صح: " أحد جبل يحبنا ونحبه " . قال الخطابي: كنى به المدينة، وأجراه البغوي على ظاهره وهو الأصح؛ إذ لا بعد في محبة الجمادات للأنبياء والأولياء ، ومن ثم سمع حنين الجذع لما فارقه .

وأخرجه الترمذي والنسائي والدارقطني ؛ أن هذه القصة بعينها وقعت في ثبير مكة. وأخرجها مسلم من حديث أبي هريرة أنه كان ذلك بحراء ، لكن بزيادة علي وطلحة والزبير ولفظه: " اسكن حراء ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " وهؤلاء الثلاثة شهداء أيضا ، وفي رواية له: وسعد بن أبي وقاص ، ولم يذكر عليا. وانفرد مسلم بذلك .

وأخرجه الترمذي في مناقب عثمان ، ولم يذكر سعدا ، وقال: " اهدأ " مكان " اسكن " وقال: حديث صحيح .

وأخرج أيضا عن سعيد بن زيد ، وذكر أنه كان عليه العشرة إلا أبا عبيدة ، وقال: اثبت حراء. وكذا رواه أبو الحسن الخلعي في فوائده ، ولم يذكر أبا عبيدة ، وهذا الاختلاف محمول على أنها قضايا تكررت، قاله الطبراني وغيره .



ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم- تسليم الشجر له وسجوده له؛ روى البغوي في شرح السنة من حديث يعلى بن مرة الثقفي: سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلنا منزلا ، فنام النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ، ثم رجعت إلى مكانها ، فلما استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرت له. فقال: " هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي فأذن لها ". وتقدم حديث بريدة نحوه من كتاب الشفاء وفيه: حتى وقعت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: السلام عليك يا رسول الله. . الحديث. وفيه: فقال الأعرابي ائذن لي أن أسجد لك. . . الحديث. ولله در البوصيري حيث يقول:


جاءت لدعوته الأشجار ساجدة تمشي إليه على ساق بلا قدم كأنما سطرت سطرا لما كتبت
فروعها من بديع الخط في القلم





ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم- كلام الحيوانات وطاعتها له .

فمنها: سجود الجمل، وقد تقدم .

ومنها: سجود الغنم؛ رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلائل النبوة بإسناد ضعيف من حديث أنس قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حائطا للأنصار، ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار، وفي الحائط غنم فسجدت له ، فقال أبو بكر: يا رسول الله، نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله.

ومنها كلام الذئب رواه جماعة من الصحابة: أبو هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري.

فحديث أبي سعيد: رواه أحمد بإسناد جيد بلفظ: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه ، فأقعى الذئب على ذنبه وقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقا ساقه الله إلي ؟ فقال: يا عجبا ذئب يتكلم. فقال له الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك: محمد بن عبد الله بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه [ ص: 194 ] حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ، ثم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنودي ب" الصلاة جامعة " ثم خرج ، فقال للأعرابي: " أخبرهم" فأخبرهم .

وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو سعيد الماليني والبيهقي ، وأما حديث أنس فأخرجه أبو نعيم في الدلائل ، وأما حديث أبي هريرة فرواه سعيد بن منصور في سننه قال: جاء الذئب فأقعى بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وجعل يبصبص بذنبه ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا" قالوا: والله لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرا رماه به ، فأدبر الذئب وله عواء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " الذئب وما الذئب" .

وروى البغوي في شرح السنة وأحمد وأبو نعيم بسند صحيح عن أبي هريرة أيضا قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة ، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه ، قال: فصعد الذئب على تل فأقعى فاستنفر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ثم انتزعته مني؟ فقال الرجل: تالله إن رأيت كاليوم ذئبا يتكلم. فقال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم - قال: وكان الرجل يهوديا - فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره وأسلم ، فصدقه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

قال القاضي عياض: وفي بعض الطرق عن أبي هريرة : فقال الذئب: أنت أعجب مني واقف على غنمك وتركت نبيا لم يبعث الله قط أعظم منه قدرا ، قد فتحت له أبواب الجنة ، وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم ، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب، فتصير في جنود الله. قال الراعي: من لي بغنمي ؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى.

وذكر قصته وإسلامه ووجوده النبي -صلى الله عليه وسلم- يقاتل ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: عد إلى غنمك تجدها بوفرها فوجدها كذلك ، وذبح للذئب شاة منها.

وقد روى ابن وهب مثل هذا: أنه جرى لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية مع ذئب وجداه أخذ ظبيا ، فدخل الظبي الحرم وانصرف الذئب ، فتعجبا من ذلك فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار ، فقال أبو سفيان: واللات والعزى لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفا .



ومنها: كلامه الحمار: أخرج ابن عساكر عن أبي منصور قال: لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيبر أصاب حمارا فكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحمار، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما اسمك ؟ فقال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا لا يركبه إلا نبي ، وقد كنت أتوقعك لم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك، قد كنت قبلك لرجل يهودي ، وقد كنت أتعثر به عمدا ، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: " فأنت يعفور " فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه ، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فلما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى بئر لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها جزعا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ورواه أبو نعيم بنحوه من حديث معاذ بن جبل ، لكن الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وفي معجزاته -صلى الله عليه وسلم- ما هو أعظم من كلام الحمار وغيره .

ومنها: كلام الضب: رواه البيهقي في أحاديث كثيرة، لكنه حديث غريب ضعيف، قال المزني: لا يصح إسنادا ولا متنا، وذكره القاضي عياض في الشفاء ، وقد روي من حديث عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في محفل من أصحابه، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا جعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله .

فلما رأى الجماعة قال: من هذا ؟ قالوا: نبي الله . فأخرج الضب من كمه وقال: واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب وطرحه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " يا ضب " فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة قال: " من تعبد ؟ " قال: الذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر سبيله ، وفي الجنة رحمته ، وفي النار عذابه ، قال: " فمن أنا ؟ " قال: رسول رب العالمين وخاتم النبيين ، وقد أفلح من صدقك ، وخاب من كذبك ، فأسلم الأعرابي.
الحديث بطوله ، وهو مذكور في الشفاء ، وما أنصف من أدخله في الموضوعات .

* ومنها كلام الغزالة:

[ ص: 195 ] رواه البيهقي من طرق ، وضعفه جماعة من الأئمة ، لكن طرقه يقوي بعضها بعضا ، وذكره القاضي في الشفاء ، ورواه أبو نعيم في الدلائل بإسناد فيه مجاهيل عن حبيب بن محصن ، عن أم سلمة قالت: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحراء من الأرض إذ هاتف يهتف: يا رسول الله ، ثلاث مرات ، فالتفت فإذا ظبية مشدودة في وثاق وأعرابي متجندل في شملة نائم في الشمس. فقال: ما حاجتك ؟ قالت: صادني هذا الأعرابي ولي خشفان في ذلك الجبل فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما، وأرجع. قال: وتفعلين ؟ فقالت: عذبني الله عذاب العشار إن لم أعد. فأطلقها فذهبت ورجعت وأوثقها النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فانتبه الأعرابي وقال: يا رسول الله ، ألك حاجة ؟ قال: تطلق هذه الظبية ، فأطلقها ، فخرجت تعدو في الصحراء فرحا ، وهي تضرب برجليها الأرض وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وكذا رواه الطبراني بنحوه ، وساق الحافظ المنذري حديثه في الترغيب والترهيب من باب الزكاة .

وقول ابن كثير فيما نقله السخاوي عنه: إنه لا أصل له: مردود ، وقد أورد الحافظ ابن حجر له في تخريج أحاديث المختصر طرقا بعضها يقوي بعضا .



ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم- إطاعة السحاب له: روى الشيخان من حديث أنس قال: أصاب الناس سنة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في يوم الجمعة، قام أعرابي ، فقال: يا رسول الله ، هلك المال وجاع العيال ، فادع الله لنا؛ فرفع يديه، وما نرى في السماء قزعة ، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ، ثم لم ينزل عن منبره حتى أريت المطر يتحادر على لحيته ، فمطرنا يومنا كذلك، ومن الغد ومن بعد الغد حتى الجمعة الأخرى ، وقام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله ، تهدم البناء وغرق المال ، فادع الله لنا ، فرفع يديه فقال: " اللهم حوالينا ولا علينا " فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة ، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود ، وفي رواية : " اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر " فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس .

وأخرج البيهقي في الدلائل من حديث ابن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب: حدثنا عن ساعة العسرة. فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيض شديد ، فنزلنا منزلا أصابنا عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إذ كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرا، فادع الله لنا، قال: " أتحب ذلك؟ " قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأسكبت فملئوا ما معهم من آنية، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر ".



ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم- إحياء الموتى وكلامهم وكلام الصبيان وشهادتهم له بالنبوة وإبراء ذوي العاهات .

أخرج البيهقي في الدلائل أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- لا أؤمن بك حتى تحيي لي ابنتي ، فجاء لقبرها فقال: يا فلانة ، قالت: لبيك وسعديك. فقال -صلى الله عليه وسلم- : أي تحبين أن ترجعي إلى الدنيا ؟ فقالت: لا والله يا رسول الله ، إني وجدت الله خيرا لي من أبوي ، ووجدت الآخرة خيرا لي من الدنيا . وحديث إحياء أمه حتى آمنت به رواه جماعة وصححه بعض الحفاظ ، وإن قال ابن كثير: منكر جدا .

وروى ابن عدي وابن أبي الدنيا والبيهقي وأبو نعيم : أن عجوزا عمياء مات ولدها ، فلما عزيت به قالت: اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملني على هذه المصيبة ، فكشف الثوب عن وجهه وطعم وطعموا.

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت أن يزيد بن حارثة بينا هو يمشي إذ خر فتوفي فجيء به إلى بيته ، فلما كان بين المغرب والعشاء سمعوا على لسانه: محمد رسول الله النبي الأمي خاتم النبيين لا نبي بعده، كان ذلك في الكتاب الأول ، ثم قال: صدق صدق، ثم قال: هذا رسول الله ، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته .

وأخرج أبو نعيم أن جابرا ذبح شاة وطبخها ، فجاء بها للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأكل هو وأصحابه ، ونهاهم عن كسر العظام ثم جمعه ووضع يده عليه ، ثم تكلم بكلام ، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها.

وأخرج البيهقي أنه -صلى الله عليه وسلم- جيء له بغلام يوم ولد فقال: من أنا ؟ قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . قال: صدقت ، بارك الله فيك ثم لم يتكلم بعد حتى شب ، فكان يسمى مبارك [ ص: 196 ] اليمامة .



ومن غرر معجزاته -صلى الله عليه وسلم-: أن انقطع يوم أحد سيف عبد الله بن جحش فأعطاه -صلى الله عليه وسلم- عرجونا فصار في يده سيفا فقاتل به ، وكان يسمى العرجون ولم يزل يتوارثونه حتى بيع من بغا التركي من أمراء المعتصم في بغداد بمائتي درهم .

ومن ذلك ما نقل ابن إسحاق أنه قاتل عكاشة بن محصن الأسدي يوم بدر بسيفه حتى انقطع ، فأعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جزلا من خشب فقال له: قاتل به ، فهزه فعاد في يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة ، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين ، وكان يسمى " العون " ولم يزل يشهد به المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قتل وهو عنده .

ومن ذلك ما ذكر عياض عن ابن وهب أن عكرمة بن أبي جهل ضرب يد معاذ بن عمرو فتعلقت بجلدة ، فبصق -صلى الله عليه وسلم- عليها فلصقت . قال ابن إسحاق : ثم عاش حتى كان زمن عثمان.

ومن ذلك ما رواه البيهقي في الدلائل من طريق ابن شهاب أن عبد الله بن أنيس أصابه المشير بن رزام اليهودي من وجهه بمخرش فشجه مأمومة ، فبصق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فلم تقح ولم تؤذه حتى مات ، وهذا نزر من كثير .

ومعجزاته -صلى الله عليه وسلم- أكثر من أن تحصى أو تعد ، فإنك إن تأملتها وجدتها شاملة للعلوي والسفلي، والصامت والناطق، والساكن والمتحرك، والمائع والجامد، والسابق واللاحق، والغائب والحاضر، والباطن والظاهر، والعاجل والآجل، إلى غير ذلك مما لو أعيد لطال .




الخدمات العلمية