الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الآيات التي استدلوا بها فهو إنكار عليهم من حيث تركهم المعروف ، لا من حيث أمرهم ، ولكن أمرهم دل على قوة علمهم ، وعقاب العالم أشد لأنه لا عذر له مع قوة علمه ، وقوله تعالى : لم تقولون ما لا تفعلون ، المراد به الوعد الكاذب وقوله عز وجل : وتنسون أنفسكم إنكار من حيث إنهم نسوا أنفسهم ، لا من حيث إنهم أمروا غيرهم ، ولكن ذكر أمر الغير استدلالا به على علمهم ، وتأكيدا للحجة عليهم ، وقوله يا ابن مريم ، عظ نفسك . الحديث هو في الحسبة بالوعظ ، وقد سلمنا أن وعظ الفاسق ساقط الجدوى عند من يعرف فسقه ، ثم قوله: فاستحى مني، لا يدل على تحريم وعظ الغير، بل معناه استحى : مني فلا تترك الأهم ، وتشتغل بالمهم ، كما يقال : احفظ أباك ، ثم جارك ، وإلا فاستحي فإن قيل : فليجز للكافر الذمي أن يحتسب على المسلم إذا رآه يزني ؛ لأن قوله : لا تزن ؛ حق في نفسه ، فمحال أن يكون حراما عليه ، بل ينبغي أن يكون مباحا أو واجبا، قلنا: الكافر إن منع المسلم بفعله فهو تسلط عليه فيمنع من حيث إنه تسلط ، وما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وأما مجرد قوله: لا تزن فليس بمحرم عليه من حيث إنه نهى عن الزنا ، ولكن من حيث إنه إظهار دالة الاحتكام على المسلم ، وفيه إذلال للمحتكم عليه ، والفاسق يستحق الإذلال ، ولكن لا من الكافر الذي هو أولى بالذل منه فهذا وجه منعنا إياه من الحسبة ، وإلا فلسنا نقول : إن الكافر يعاقب بسبب قوله : لا تزن من حيث إنه نهى ، بل نقول: إنه إذا لم يقل: لا تزن؛ يعاقب عليه ، إن رأينا خطاب الكافر بفروع الدين وفيه نظر استوفيناه في الفقهيات ولا يليق بغرضنا الآن .

التالي السابق


(وأما الآيات التي استدلوا بها فهي إنكار عليهم من حيث تركهم المعروف، لا من حيث أمرهم، ولكن أمرهم دل على قوة علمهم، وعقاب العالم أشد) ؛ لما في الخبر: ويل للجاهل مرة، وللعالم سبع مرات؛ (لأنه لا عذر مع قوة علمه، وقوله تعالى: لم تقولون ما لا تفعلون ، المراد به الوعد الكاذب) يعد بلسانه أن يفعل شيئا فلا يفعل، (وقوله تعالى: وتنسون أنفسكم إنكار) عليهم (من حيث إنهم نسوا أنفسهم، لا من حيث إنهم أمروا غيرهم، ولكن ذكر أمر الغير استدلالا به على علمهم، وتأكيدا للحجة عليهم، وقوله تعالى) في خطابه لعيسى عليه السلام: (يا ابن مريم، عظ نفسك.. الحديث) إلخ، (هو في الحسبة بالوعظ، وقد سلمنا أن وعظ الفاسق ساقط الجدوى عند من يعرف فسقه، ثم قوله: "فاستحي مني"، لا يدل على تحريم وعظ الغير، بل معناه: استحي مني فلا تترك الأهم، وتشتغل بالمهم، كما يقال: احفظ أباك، ثم جارك، وإلا فاستحي) فحفظ أبيه هو الأهم، وحفظ الجار هو المهم، (فإن قيل: فليجز للكافر الذمي أن يحتسب على المسلم إذا رآه يزني؛ لأن قوله: "لا تزن"؛ حق في نفسه، فمحال أن يكون حراما، بل ينبغي أن يكون مباحا أو واجبا، قلنا) في الجواب عنه: (الكافر إن منع المسلم بفعله فهو تسليط عليه، فيمنعه من حيث إنه تسليط عليه، وما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) أي: بالتسلط عليه، (وأما مجرد قوله: لا تزن) أيها المسلم (فليس بمحرم عليه من حيث إنه نهي عن الزنا، ولكن من حيث إنه إظهار دالة الاحتكام على المسلم، وفيه إذلال للمحتكم عليه، والفاسق يستحق الإذلال، ولكن لا من الكافر الذي هو أولى بالذل منه) لكفره، (فهذا وجه منعنا إياه من الحسبة، وإلا فلسنا نقول: إن الكافر يعاقب بسبب قوله: لا تزن) يا مسلم (من حيث إنه نهي، بل نقول: إذا لم يقل: لا تزن؛ يعاقب، إن رأينا خطاب الكفار بفروع الدين) ، وهي مسألة مشهورة في الأصول، وقد أشرنا إليها في كتاب الحلال والحرام، (وفيه نظر استوفيناه في الفقهيات) أي: الكتب المصنفة في الفقه (ولا يليق) تطويله (بغرضنا الآن) .




الخدمات العلمية