واستمرار عادات السلف على
nindex.php?page=treesubj&link=25554الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك ، وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه ، فكيف يحتاج إلى إذنه في الإنكار عليه ؟ ويدل على ذلك عادة السلف في
nindex.php?page=treesubj&link=25554الإنكار على الأئمة كما روي أن
مروان بن الحكم خطب قبل صلاة العيد ، فقال له رجل : إنما الخطبة بعد الصلاة . فقال له
مروان: اترك ذلك يا فلان ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه
nindex.php?page=hadith&LINKID=664468قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم منكرا فلينكره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .
فلقد كانوا فهموا من هذه العمومات دخول السلاطين تحتها ، فكيف يحتاج إلى إذنهم ، وروي أن
المهدي لما قدم
مكة لبث بها ما شاء الله ، فلما أخذ في الطواف نحى الناس عن البيت ، فوثب
عبد الله بن مرزوق فلببه بردائه ثم هزه ، وقال له : انظر ما تصنع ، من جعلك بهذا البيت أحق ممن أتاه من البعد حتى إذا صار عنده ، حلت بينه وبينه وقد قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سواء العاكف فيه والباد ، من جعل لك هذا ؟ فنظر في وجهه ، وكان يعرفه ؛ لأنه من مواليهم ، فقال :
عبد الله بن مرزوق؟ قال : نعم . فأخذ فجيء به إلى
بغداد ، فكره أن يعاقبه عقوبة يشنع بها عليه في العامة فجعله في إصطبل الدواب ليسوس الدواب وضموا إليه فرسا عضوضا سيئ الخلق؛ ليعقره الفرس فلين الله تعالى له الفرس قال : ثم صيروه إلى بيت وأغلق عليه ، وأخذ
المهدي المفتاح عنده ، فإذا هو قد خرج بعد ثلاث إلى البستان يأكل البقل ، فأوذن به
المهدي فقال له : من أخرجك ؟ فقال : الذي حبسني : فضج
المهدي وصاح ، وقال : ما تخاف أن أقتلك فرفع
عبد الله إليه رأسه يضحك ، وهو يقول : لو كنت تملك حياة أو موتا فما زال محبوسا حتى مات
المهدي ، ثم خلوا عنه فرجع إلى
مكة ، قال : وكان قد جعل على نفسه نذرا إن خلصه الله من أيديهم أن ينحر مائة بدنة فكان يعمل في ذلك حتى نحرها وروي عن
حبان بن عبد الله قال : تنزه
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد بالدوين ومعه رجل من
بني هاشم ، وهو
سليمان بن أبي جعفر فقال له
هارون : قد كانت لك جارية تغني فتحسن ، فجئنا بها ، قال : فجاءت ، فغنت ، فلم يحمد غناءها ، فقال لها : ما شأنك ؟ فقالت : ليس هذا عودي . فقال للخادم : جئنا بعودها . قال : فجاء بالعود ، فوافق شيخا يلقط النوى فقال الطريق يا شيخ فرفع الشيخ رأسه فرأى العود ، فأخذه من الخادم فضرب به الأرض فأخذه الخادم وذهب به إلى صاحب الربع فقال: احتفظ بهذا ؛ فإنه طلبة أمير المؤمنين فقال له صاحب الربع : ليس
ببغداد أعبد من هذا ، فكيف يكون طلبة أمير المؤمنين ؟ فقال له اسمع : ما أقول لك ثم دخل ، على
هارون فقال : إني مررت على شيخ يلقط النوى ، فقلت له : الطريق ، فرفع رأسه ، فرأى العود فأخذه ، فضرب به الأرض فكسره ، فاستشاط
هارون وغضب واحمرت عيناه ، فقال له
سليمان بن أبي جعفر : ما هذا الغضب يا أمير المؤمنين ؟ ابعث إلى صاحب الربع يضرب عنقه ويرم به في
الدجلة ، فقال : لا ، ولكن نبعث إليه ونناظره أولا فجاء الرسول فقال : أجب أمير المؤمنين . فقال : نعم . قال : اركب قال: لا ، فجاء يمشي حتى وقف على باب القصر ، فقيل
لهارون : قد جاء الشيخ . فقال للندماء : أي شيء ترون نرفع ما قدامنا من المنكر حتى يدخل هذا الشيخ ، أو نقوم إلى مجلس آخر ليس فيه منكر؟ فقالوا له : نقوم إلى مجلس آخر ليس فيه منكر أصلح . فقاموا إلى مجلس ليس فيه منكر ، ثم أمر بالشيخ، فأدخل وفي كمه الكيس الذي فيه النوى ، فقال له الخادم : أخرج هذا من كمك وادخل على أمير المؤمنين فقال : من هذا عشائي الليلة . قال : نحن نعشيك . قال : لا حاجة لي في عشائكم . فقال
هارون للخادم : أي شيء تريد منه؟ قال : في كمه نوى، قلت له : اطرحه ، وادخل على أمير المؤمنين . فقال : دعه لا يطرحه . قال : فدخل وسلم ، وجلس، فقال له
هارون : يا شيخ ، ما حملك على ما صنعت ؟ قال : وأي شيء صنعت ؟ وجعل
هارون يستحي أن يقول : كسرت عودي فلما أكثر عليه قال : إني سمعت أباك وأجدادك يقرءون هذه الآية على المنبر :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وأنا رأيت منكرا فغيرته فقال : فغيره . فوالله ما قال إلا هذا فلما خرج أعطى الخليفة رجلا بدرة وقال : اتبع الشيخ، فإن رأيته يقول : قلت لأمير المؤمنين وقال لي فلا تعطه شيئا، وإن رأيته لا يكلم أحدا ، فأعطه البدرة . فلما خرج من القصر إذا هو بنواة في الأرض قد غاصت ، فجعل يعالجها ولم يكلم أحدا ، فقال له: يقول لك أمير المؤمنين خذ : هذه البدرة فقال : قل لأمير المؤمنين يردها من حيث أخذها . ويروى أنه أقبل بعد فراغه من كلامه على النواة التي يعالج قلعها من الأرض وهو يقول :
أرى الدنيا لمن هي في يديه هموما كلما كثرت لديه تهين المكرمين لها بصغر
وتكرم كل من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه
وخذ ما أنت محتاج إليه
.
وعن سفيان الثوري رحمه الله قال : حج
المهدي سنة ست وستين ومائة .
فرأيته يرمي جمرة العقبة والناس يخبطون يمينا وشمالا بالسياط فوقفت فقلت : يا حسن الوجه، حدثنا
أيمن عن
وائل عن
قدامة بن عبد الله الكلابي nindex.php?page=hadith&LINKID=101005قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على جمل لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك .
وها أنت يخبط الناس بين يديك يمينا وشمالا . فقال لرجل : من هذا؟ قال :
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري . فقال يا سفيان : لو كان المنصور ما احتملك على هذا فقال : لو أخبرك المنصور بما لقى لقصرت عما أنت فيه. قال : فقيل له : إنه قال لك : يا حسن الوجه، ولم يقل لك يا أمير المؤمنين . فقال : اطلبوه . فطلب
سفيان ، فاختفى .
.
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون أنه بلغه أن رجلا محتسبا يمشي في الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ولم يكن مأمورا من عنده بذلك ، فأمر بأن يدل عليه ، فلما صار بين يديه قال له إنني : بلغني أنك رأيت نفسك أهلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير أن نأمرك . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون جالسا على كرسي ينظر في كتاب أو قصة فأغفله فوقع منه ، فصار تحت قدمه من حيث لم يشعر به ، فقال له المحتسب : ارفع قدمك عن أسماء الله تعالى، ثم قل ما شئت فلم يفهم
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون مراده فقال : ماذا تقول ؟ حتى أعاده ثلاثا ، فلم يفهم فقال : إما رفعت أو أذنت لي حتى أرفع . فنظر
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون تحت قدمه ، فرأى الكتاب ، فأخذه وقبله وخجل ثم عاد وقال : لم تأمر بالمعروف وقد جعل الله ذلك إلينا
أهل البيت ، ونحن الذين قال الله تعالى فيهم
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ؟ فقال صدقت يا أمير المؤمنين ، أنت كما وصفت نفسك من السلطان والتمكن غير أنا أعوانك وأولياؤك فيه ولا ، ينكر ذلك إلا من جهل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف الآية ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=650459وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا وقد مكنت في الأرض ، وهذا كتاب الله وسنة رسوله ، فإن انقدت لهما شكرت لمن أعانك لحرمتهما ، وإن استكبرت عنهما ، ولم تنقد لما لزمك منهما فإن الذي إليه أمرك وبيده عزك وذلك قد شرط أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا ، فقل الآن ما شئت . فأعجب
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون بكلامه وسر به ، وقال : مثلك يجوز له أن يأمر بالمعروف فامض على ما كنت عليه بأمرنا وعن رأينا فاستمر الرجل على ذلك . .
ففي سياق هذه الحكايات بيان الدليل على الاستغناء عن الإذن .
وَاسْتِمْرَارُ عَادَاتِ السَّلَفِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=25554الْحِسْبَةِ عَلَى الْوُلَاةِ قَاطِعٌ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ التَّفْوِيضِ بَلْ كُلُّ مَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ فَإِنْ كَانَ الْوَالِي رَاضِيًا بِهِ فَذَاكَ ، وَإِنْ كَانَ سَاخِطًا لَهُ فَسُخْطُهُ لَهُ مُنْكَرٌ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ ، فَكَيْفَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِهِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ ؟ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَادَةُ السَّلَفِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25554الْإِنْكَارِ عَلَى الْأَئِمَّةِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ
مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خَطَبَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ . فَقَالَ لَهُ
مَرْوَانُ: اتْرُكْ ذَلِكَ يَا فُلَانُ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=664468قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُنْكِرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ .
فَلَقَدْ كَانُوا فَهِمُوا مِنْ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ دُخُولَ السَّلَاطِينِ تَحْتَهَا ، فَكَيْفَ يُحْتَاجُ إِلَى إِذْنِهِمْ ، وَرُوِيَ أَنَّ
الْمَهْدِيَّ لَمَّا قَدِمَ
مَكَّةَ لَبِثَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَلَمَّا أَخَذَ فِي الطَّوَافِ نَحَّى النَّاسَ عَنِ الْبَيْتِ ، فَوَثَبَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْزُوقٍ فَلَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ هَزَّهُ ، وَقَالَ لَهُ : انْظُرْ مَا تَصْنَعُ ، مَنْ جَعَلَكَ بِهَذَا الْبَيْتِ أَحَقَّ مِمَّنْ أَتَاهُ مِنَ الْبُعْدِ حَتَّى إِذَا صَارَ عِنْدَهُ ، حُلْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ، مَنْ جَعَلَ لَكَ هَذَا ؟ فَنَظَرَ فِي وَجْهِهِ ، وَكَانَ يَعْرِفُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَوَالِيهِمْ ، فَقَالَ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنَ مَرْزُوقٍ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَأُخِذَ فَجِيءَ بِهِ إِلَى
بَغْدَادَ ، فَكَرِهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ عُقُوبَةً يُشَنَّعُ بِهَا عَلَيْهِ فِي الْعَامَّةِ فَجَعَلَهُ فِي إِصْطَبْلِ الدَّوَابِّ لِيَسُوسَ الدَّوَابَّ وَضَمُّوا إِلَيْهِ فَرَسًا عَضُوضًا سَيِّئَ الْخُلُقِ؛ لِيَعْقِرَهُ الْفَرَسُ فَلَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْفَرَسَ قَالَ : ثُمَّ صَيِّرُوهُ إِلَى بَيْتٍ وَأُغْلِقَ عَلَيْهِ ، وَأَخَذَ
الْمَهْدِيُّ الْمِفْتَاحَ عِنْدَهُ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ بَعْدَ ثَلَاثٍ إِلَى الْبُسْتَانِ يَأْكُلُ الْبَقْلَ ، فَأُوذِنَ بِهِ
الْمَهْدِيُّ فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَخْرَجَكَ ؟ فَقَالَ : الَّذِي حَبَسَنِي : فَضَجَّ
الْمَهْدِيُّ وَصَاحَ ، وَقَالَ : مَا تَخَافُ أَنْ أَقْتُلَكَ فَرَفَعَ
عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ رَأْسَهُ يَضْحَكُ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَوْ كُنْتَ تَمْلِكُ حَيَاةً أَوْ مَوْتًا فَمَا زَالَ مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ
الْمَهْدِيُّ ، ثُمَّ خَلَّوْا عَنْهُ فَرَجَعَ إِلَى
مَكَّةَ ، قَالَ : وَكَانَ قَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ نَذْرًا إِنْ خَلَّصَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَكَانَ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ حَتَّى نَحَرَهَا وَرُوِيَ عَنْ
حِبَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : تَنَزَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونُ الرَّشِيدُ بِالدَّوِينِ وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ ، وَهُوَ
سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ
هَارُونُ : قَدْ كَانَتْ لَكَ جَارِيَةٌ تُغَنِّي فَتُحْسِنُ ، فَجِئْنَا بِهَا ، قَالَ : فَجَاءَتْ ، فَغَنَّتْ ، فَلَمْ يَحْمَدْ غِنَاءَهَا ، فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَتْ : لَيْسَ هَذَا عُودِي . فَقَالَ لِلْخَادِمِ : جِئْنَا بِعُودِهَا . قَالَ : فَجَاءَ بِالْعُودِ ، فَوَافَقَ شَيْخًا يَلْقُطُ النَّوَى فَقَالَ الطَّرِيقَ يَا شَيْخُ فَرَفَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ فَرَأَى الْعُودَ ، فَأَخَذَهُ مِنَ الْخَادِمِ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَأَخَذَهُ الْخَادِمُ وَذَهَبَ بِهِ إِلَى صَاحِبِ الرَّبْعِ فَقَالَ: احْتَفِظْ بِهَذَا ؛ فَإِنَّهُ طِلْبَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الرَّبْعِ : لَيْسَ
بِبَغْدَادَ أَعْبَدُ مِنْ هَذَا ، فَكَيْفَ يَكُونُ طِلْبَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ اسْمَعْ : مَا أَقُولُ لَكَ ثُمَّ دَخَلَ ، عَلَى
هَارُونَ فَقَالَ : إِنِّي مَرَرْتُ عَلَى شَيْخٍ يَلْقُطُ النَّوَى ، فَقُلْتُ لَهُ : الطَّرِيقَ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَرَأَى الْعُودَ فَأَخَذَهُ ، فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَكَسَرَهُ ، فَاسْتَشَاطَ
هَارُونُ وَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ لَهُ
سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ : مَا هَذَا الْغَضَبُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ ابْعَثْ إِلَى صَاحِبِ الرَّبْعِ يَضْرِبْ عُنُقَهُ وَيَرْمِ بِهِ فِي
الدِّجْلَةِ ، فَقَالَ : لَا ، وَلَكِنْ نَبْعَثُ إِلَيْهِ وَنُنَاظِرُهُ أَوَّلًا فَجَاءَ الرَّسُولُ فَقَالَ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : نَعَمْ . قَالَ : ارْكَبْ قَالَ: لَا ، فَجَاءَ يَمْشِي حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ ، فَقِيلَ
لِهَارُونَ : قَدْ جَاءَ الشَّيْخُ . فَقَالَ لِلنُّدَمَاءِ : أَيَّ شَيْءٍ تَرَوْنَ نَرْفَعُ مَا قُدَّامَنَا مِنَ الْمُنْكَرِ حَتَّى يَدْخُلَ هَذَا الشَّيْخُ ، أَوْ نَقُومَ إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ مُنْكَرٌ؟ فَقَالُوا لَهُ : نَقُومُ إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ مُنْكَرٌ أَصْلَحُ . فَقَامُوا إِلَى مَجْلِسٍ لَيْسَ فِيهِ مُنْكَرٌ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالشَّيْخِ، فَأُدْخِلَ وَفِي كُمِّهِ الْكِيسُ الَّذِي فِيهِ النَّوَى ، فَقَالَ لَهُ الْخَادِمُ : أَخْرِجْ هَذَا مِنْ كُمِّكَ وَادْخُلْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : مِنْ هَذَا عَشَائِي اللَّيْلَةَ . قَالَ : نَحْنُ نُعَشِّيكَ . قَالَ : لَا حَاجَةَ لِي فِي عَشَائِكُمْ . فَقَالَ
هَارُونُ لِلْخَادِمِ : أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ مِنْهُ؟ قَالَ : فِي كُمِّهِ نَوًى، قُلْتُ لَهُ : اطْرَحْهُ ، وَادْخُلْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : دَعْهُ لَا يَطْرَحُهُ . قَالَ : فَدَخَلَ وَسَلَّمَ ، وَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ
هَارُونُ : يَا شَيْخُ ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ : وَأَيُّ شَيْءٍ صَنَعْتُ ؟ وَجَعَلَ
هَارُونُ يَسْتَحِي أَنْ يَقُولَ : كَسَرْتَ عُودِي فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ وَأَجْدَادَكَ يَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ وَأَنَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا فَغَيَّرْتُهُ فَقَالَ : فَغَيِّرْهُ . فَوَاللَّهِ مَا قَالَ إِلَّا هَذَا فَلَمَّا خَرَجَ أَعْطَى الْخَلِيفَةُ رَجُلًا بَدْرَةً وَقَالَ : اتْبَعِ الشَّيْخَ، فَإِنْ رَأَيْتَهُ يَقُولُ : قُلْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ لِي فَلَا تُعْطِهِ شَيْئًا، وَإِنْ رَأَيْتَهُ لَا يُكَلِّمْ أَحَدًا ، فَأَعْطِهِ الْبَدْرَةَ . فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ إِذَا هُوَ بِنَوَاةٍ فِي الْأَرْضِ قَدْ غَاصَتْ ، فَجَعَلَ يُعَالِجُهَا وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا ، فَقَالَ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ خُذْ : هَذِهِ الْبَدْرَةَ فَقَالَ : قُلْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَرُدَّهَا مِنْ حَيْثُ أَخَذَهَا . وَيُرْوَى أَنَّهُ أَقْبَلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى النَّوَاةِ الَّتِي يُعَالِجُ قَلْعَهَا مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ يَقُولُ :
أَرَى الدُّنْيَا لِمَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ هُمُومًا كُلَّمَا كَثُرَتْ لَدَيْهِ تُهِينُ الْمُكْرِمِينَ لَهَا بِصُغْرٍ
وَتُكْرِمُ كُلَّ مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ إِذَا اسْتَغْنَيْتَ عَنْ شَيْءٍ فَدَعْهُ
وَخُذْ مَا أَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ
.
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : حَجَّ
الْمَهْدِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ .
فَرَأَيْتُهُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَالنَّاسُ يَخْبَطُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا بِالسِّيَاطِ فَوَقَفْتُ فَقُلْتُ : يَا حَسَنَ الْوَجْهِ، حَدَّثَنَا
أَيْمَنُ عَنْ
وَائِلٍ عَنْ
قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=101005قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى جَمَلٍ لَا ضَرْبَ وَلَا طَرْدَ وَلَا جَلْدَ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ .
وَهَا أَنْتَ يَخْبِطُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْكَ يَمِينًا وَشِمَالًا . فَقَالَ لِرَجُلٍ : مَنْ هَذَا؟ قَالَ :
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ . فَقَالَ يَا سُفْيَانُ : لَوْ كَانَ الْمَنْصُورُ مَا احْتَمَلَكَ عَلَى هَذَا فَقَالَ : لَوْ أَخْبَرَكَ الْمَنْصُورُ بِمَا لَقَى لَقَصَّرْتَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ. قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ قَالَ لَكَ : يَا حَسَنَ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَقُلْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : اطْلُبُوهُ . فَطُلِبَ
سُفْيَانُ ، فَاخْتَفَى .
.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مُحْتَسِبًا يَمْشِي فِي النَّاسِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا مِنْ عِنْدِهِ بِذَلِكَ ، فَأَمَرَ بِأَنْ يُدَلَّ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا صَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ إِنَّنِي : بَلَغَنِي أَنَّكَ رَأَيْتَ نَفْسَكَ أَهْلًا لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَأْمُرَكَ . وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ أَوْ قِصَّةٍ فَأَغْفَلَهُ فَوَقَعَ مِنْهُ ، فَصَارَ تَحْتَ قَدَمِهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْمُحْتَسِبُ : ارْفَعْ قَدَمَكَ عَنِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قُلْ مَا شِئْتَ فَلَمْ يَفْهَمِ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ مُرَادَهُ فَقَالَ : مَاذَا تَقُولُ ؟ حَتَّى أَعَادَهُ ثَلَاثًا ، فَلَمْ يَفْهَمْ فَقَالَ : إِمَّا رَفَعْتَ أَوْ أَذِنْتَ لِي حَتَّى أَرْفَعَ . فَنَظَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ تَحْتَ قَدَمِهِ ، فَرَأَى الْكِتَابَ ، فَأَخَذَهُ وَقَبَّلَهُ وَخَجِلَ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ : لِمَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَيْنَا
أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَنَحْنُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَقَالَ صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْتَ كَمَا وَصَفْتَ نَفْسَكَ مِنَ السُّلْطَانِ وَالتَّمَكُّنِ غَيْرَ أَنَّا أَعْوَانُكَ وَأَوْلِيَاؤُكَ فِيهِ وَلَا ، يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ الْآيَةَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=650459وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَقَدْ مُكِّنْتَ فِي الْأَرْضِ ، وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ ، فَإِنِ انْقَدْتَ لَهُمَا شَكَرْتَ لِمَنْ أَعَانَكَ لِحُرْمَتِهِمَا ، وَإِنِ اسْتَكْبَرْتَ عَنْهُمَا ، وَلَمْ تَنْقَدْ لِمَا لَزِمَكَ مِنْهُمَا فَإِنَّ الَّذِي إِلَيْهِ أَمْرُكَ وَبِيَدِهِ عِزُّكَ وَذُلُّكَ قَدْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ، فَقُلِ الْآنَ مَا شِئْتَ . فَأُعْجِبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ بِكَلَامِهِ وَسُرَّ بِهِ ، وَقَالَ : مِثْلُكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ فَامْضِ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ بِأَمْرِنَا وَعَنْ رَأْيِنَا فَاسْتَمَرَّ الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ . .
فَفِي سِيَاقِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ بَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْإِذْنِ .