الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى إذا كنت ممن يأمر بالمعروف فكن من آخذ الناس به وإلا هلكت وقد قيل .


لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله     من ذم شيئا وأتى مثله
فإنما يزري على عقله

.

ولسنا نعني بهذا أن الأمر بالمعروف يصير ممنوعا بالفسق ولكن يسقط أثره عن القلوب بظهور فسقه للناس فقد .

روي عن أنس رضي الله عنه قال : قلنا : يا رسول الله ، لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ، ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله ، فقال صلى الله عليه وسلم : بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله .

وأوصى بعض السلف بنيه فقال: إن : أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى فإذن من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر ولذلك قرن الله تعالى الصبر بالأمر بالمعروف فقال حاكيا عن لقمان يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك .

التالي السابق


(قال الحسن البصري) رحمه الله تعالى: (إذا كنت ممن يأمر الناس بالمعروف فكن من آخذ الناس به) أي أكثرهم أخذا بالمعروف (وإلا هلكت) وذلك لأنه يدخل تحت الوعيد في قوله تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم (وقد قيل) في معنى ذلك:


( لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله من ذم شيئا وأتى مثله
فإنما يزري على عقله )



(ولأبي العتاهية) إسماعيل بن القاسم بن سويد الشاعر المشهور، وأبو العتاهية لقبه وكنيته أبو إسحاق أو كنيته لا لقبه فيه خلاف أوردته في شرحي على القاموس فراجعه:


تدل على التقوى وأنت مقصر أيا من يداوي الناس وهو سقيم


وإن امرؤ لم يجعل البر كنزه ولو كانت الدنيا له لعديم



وفي هذا الباب كلام كثير للشعراء (ولسنا نعني بهذا أن الآمر يصير ممنوعا) عن الأمر بالمعروف (بالفسق) أي لأجله وبسببه، (ولكن يسقط أثره عن القلوب) ووقعه فيها (بظهور فسقه للناس) فيكون ضحكة لهم .

(وقد روي عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (قال: قلنا: يا رسول الله، لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله، ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله، فقال صلى الله عليه وسلم: بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله [ ص: 50 ] وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله) .

قال العراقي: رواه الطبراني في المعجم الصغير والأوسط وفيه عبد القدوس بن حبيب أجمعوا على تركه. اهـ .

قلت: والراوي عنه ابنه عبد السلام بن عبد القدوس ضعيف، والمعنى أنه يجب ترك المنكر وإنكاره، فلا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر، ولهذا قيل للحسن: فلان لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال: وأينا يفعل ما يقول ود الشيطان لو ظفر بهذا، فلم يأمر أحدا بمعروف، ولم ينه عن منكر، ولو توقف الأمر والنهي على الاجتناب لرفع الأمر بالمعروف، وتعطل النهي عن المنكر، وانسد باب النصيحة التي حث الشارع عليها .

(وأوصى بعض السلف بنيه وقال: إذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف) وينهى عن المنكر، (فليوطن نفسه على الصبر) أي على الأذى ليثبتها عليه، المراد به الصبر على مكروه يسمعه ممن يحتسب عليه (وليثق بالثواب من الله) عز وجل، (فمن وثق بالثواب من الله) عز وجل (لم يجد مس الأذى) والمكروه .

قلت: المراد ببعض السلف هنا عمرو بن حبيب الخطمي، وكانت له صحبة فإنه أوصى بنيه، وقال: يا بني إياكم ومجالسة السفهاء، فإن مجالستهم داء، إنه من يحلم على السفيه يسر بحلمه، ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب، وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف إلخ .

هكذا أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب في التلخيص عن أبي جعفر الخطمي عن جده عمرو بن حبيب، (فإذا من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر) على الأذى، (ولذلك قرن الله تعالى الصبر بالأمر بالمعروف) والنهي عن المنكر، (فقال) في كتابه العزيز (حاكيا عن لقمان) عليه السلام: ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك) إن ذلك من عزم الأمور .

أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير في قوله: وأمر بالمعروف؛ يعني التوحيد، وانه عن المنكر؛ يعني الشرك، واصبر على ما أصابك في أمرهما، يقول إذا أمرت بمعروف، أو نهيت عن منكر، وأصابك في ذلك أذى وشدة فاصبر عليه، إن ذلك؛ يعني هذا الصبر على الأذى فيهما من عزم الأمور أي من حد الأمور التي أمر الله بها .




الخدمات العلمية