الرتبة الثانية : أن تسمع كلام زيد وصوته من داخل الدار ، ولكن من وراء جدار فتستدل ، به على كونه في الدار ، فيكون إيمانك وتصديقك ويقينك بكونه في الدار أقوى من تصديقك بمجرد السماع ، فإنك إذا قيل لك : إنه في الدار ، ثم سمعت صوته ازددت به يقينا ؛ لأن الأصوات تدل على الشكل والصورة عند من يسمع الصوت في حال مشاهدة الصورة فيحكم قلبه ، بأن هذا صوت ذلك الشخص وهذا ، إيمان ممزوج بدليل والخطأ أيضا ممكن أن يتطرق إليه ؛ إذ الصوت قد يشبه الصوت ، وقد يمكن التكلف بطريق المحاكاة ، إلا أن ذلك قد لا يخطر ببال السامع ، لأنه ليس يجعل للتهمة موضعا ، ولا يقدر في هذا التلبيس والمحاكاة غرضا . 
الرتبة الثالثة : أن تدخل الدار فتنظر إليه بعينك وتشاهده وهذه ، هي المعرفة الحقيقية والمشاهدة اليقينية ، وهي تشبه معرفة المقربين والصديقين ؛ لأنهم يؤمنون عن مشاهدة فينطوي في إيمانهم إيمان العوام والمتكلمين ويتميزون بمزية بينة يستحيل معها إمكان الخطأ . 
نعم وهم أيضا يتفاوتون بمقادير العلوم وبدرجات الكشف . 
أما درجات الكشف فمثاله أن يبصر زيدا في الدار عن قرب وفي صحن الدار في وقت إشراق الشمس ، فيكمل له إدراكه والآخر يدركه في بيت أو من بعد أو في وقت عشية ، فيتمثل له في صورته ما يستيقن معه أنه هو ، ولكن لا يتمثل في نفسه الدقائق والخفايا من صورته . 
ومثل هذا متصور في تفاوت المشاهدة للأمور الإلهية . 
وأما مقادير العلوم  فهو بأن يرى في الدار زيدا وعمرا وبكرا وغير ذلك وآخر لا يرى إلا زيدا فمعرفة ذلك تزيد بكثرة المعلومات لا محالة فهذا حال ، القلب بالإضافة إلى العلوم والله تعالى أعلم بالصواب . 
     	
		
				
						
						
