أما الثبات على الدوام مع حزب الملائكة أو مع حزب الشيطان فنادر من الجانبين وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن الغيب إلى عالم الشهادة بواسطة خزانة القلب ، فإنه من خزائن الملكوت وهي أيضا إذا ظهرت كانت علامات تعرف أرباب القلوب سابق القضاء .
فمن خلق للجنة يسرت له أسباب الطاعات ، ومن خلق للنار يسرت له أسباب المعاصي وسلط عليه أقران السوء ، وألقي في قلبه حكم الشيطان فإنه بأنواع الحكم يغر الحمقى بقوله : إن الله رحيم ، فلا تبال وإن الناس كلهم ما يخافون الله ، فلا تخالفهم ، وإن العمر طويل فاصبر حتى تتوب غدا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا يعدهم التوبة ويمنيهم المغفرة فيهلكهم بإذن الله تعالى بهذه الحيل وما يجري مجراها ، فيوسع قلبه لقبول الغرور ويضيقه عن قبول الحق ، وكل ذلك بقضاء من الله وقدره فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده فهو الهادي والمضل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه ، خلق الجنة وخلق لها أهلا فاستعملهم بالطاعة وخلق النار وخلق لها أهلا فاستعمله بالمعاصي وعرف الخلق علامة أهل الجنة وأهل النار ، فقال : إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ثم قال تعالى فيما روى عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -: " هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي " فتعالى الله الملك الحق لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
ولنقتصر على هذا القدر اليسير من ذكر عجائب القلب ، فإن استقصاءه لا يليق بعلم المعاملة ، وإنما ذكرنا منه ما يحتاج إليه لمعرفة أغوار علوم المعاملة وأسرارها لينتفع بها من لا يقنع بالظواهر ولا يجتزئ بالقشر عن اللباب ، بل يتشوق إلى معرفة دقائق حقائق الأسباب ، وفيما ذكرناه كفاية له ومقنع إن شاء الله تعالى والله ولي التوفيق .
تم كتاب عجائب القلب ولله الحمد والمنة ويتلوه .


