الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآفة الثالثة عشرة : الوعد الكاذب .

فإن اللسان سباق إلى الوعد ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء ، فيصير الوعد خلفا ، وذلك من أمارات النفاق قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود وقال صلى الله عليه وسلم : العدة عطية .

وقال صلى الله عليه وسلم الوأي مثل الدين ، أو أفضل ، والوأي : الوعد وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل عليه السلام في كتابه العزيز ، فقال : إنه كان صادق الوعد قيل : إنه وعد إنسانا في موضع ، فلم يرجع إليه ذلك الإنسان بل نسي ، فبقي إسماعيل اثنين وعشرين يوما في انتظاره .

ولما حضرت عبد الله بن عمر الوفاة قال : إنه كان خطب إلى ابنتي رجل من قريش ، وقد كان إليه مني شبه الوعد ، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق أشهدكم أني قد زوجته ابنتي وعن عبد الله بن أبي الخنساء قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وبقيت ، له بقية فواعدته ، أن آتيه بها في مكانه ذلك ، فنسيت يومي والغد ، فأتيته اليوم الثالث ، وهو في مكانه ، فقال : يا فتى لقد ، شققت علي ، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك .

التالي السابق


(الآفة الثالثة عشرة: الوعد الكاذب )

(فإن اللسان سباق إلى الوعد) أي: كثير السبق إليه، (ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء، فيصير الوعد خلفا، وذلك من أمارات النفاق) ، وعلامته الدالة عليه، (وقد قال الله تعالى) في كتابه العزيز: ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) قال البيضاوي : الوفاء هو القيام بمقتضى العهد، وكذلك الإيفاء، والعقد: العهد الموثق، وأصله الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال، ولعل المراد بالعقود ما يعم العقود التي عقدها الله تعالى على عباده، وألزمها إياهم من التكاليف، وما يعقدون بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها، مما يجب الوفاء به، أو يحسن إن حملنا الأمر على المشترك بين الوجوب والندب .

(وقال صلى الله عليه وسلم: العدة عطية ) أي: بمنزلتها، فلا ينبغي الخلف فيها، كما لا ينبغي الرجوع فيها، قال العراقي : رواه الطبراني في الأوسط من حديث قباث بن أشيم بسند ضعيف، وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن مسعود ، ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت، والخرائطي في مكارم الأخلاق، من حديث الحسن مرسلا، وقد تقدم اهـ .

قلت: في سند الطبراني أصبغ بن عبد العزيز الليثي ، قال أبو حاتم : مجهول، رواه الديلمي أيضا عن ابن مسعود ، وأصله أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله شيئا، فقال: ما عندي ما أعطيكه. فقال: تعدني؟ فقال: العدة عطية . وسياق أبي نعيم في الحلية، قال ابن [ ص: 506 ] مسعود : "إذا وعد أحدكم أخاه فلينجز له؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. فذكره، ثم قال: غريب. تفرد به إبراهيم الفزاري ، وقال ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عدي ، عن يونس ، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العدة عطية" ، وقال الخرائطي في مكارم الأخلاق: حدثنا عبد الله بن الحسين الهاشمي ، حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي ، حدثنا وهيب بن خالد ، أخبرنا يونس عن الحسن "أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فلم تجده عنده، فقالت: عدني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العدة عطية" .

(وقال) صلى الله عليه وسلم: ( الوأي مثل الدين، أو أفضل، والوأي: الوعد ) ، قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت من رواية ابن لهيعة مرسلا، وقال: الوأي يعني الوعد ، ورواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي بسند ضعيف. اهـ .

قلت: قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن ابن لهيعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوأي -يعني الوعد- مثل الدين أو أفضل . وقال الفضل بن عباس اللهبي :


إنا أناس من سجيتنا صدق الحديث ووأينا حتم



في أبيات أخر ذكرها ابن أبي الدنيا ، (وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل عليه السلام، فقال: إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ، فيقال: إنه واعد إنسانا في موضع، فلم يرجع إليه، فبقي اثنين وعشرين يوما في انتظاره) أخرجه ابن أبي الدنيا ، عن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا كعب بن فروخ الرقاشي ، حدثنا يزيد الرقاشي "أن إسماعيل نبي الله وعد رجلا ميعادا، فجلس له إسماعيل اثنين وعشرين يوما مكانه لا يبرح لميعاده، ولها الآخر عن ذلك حتى جاء بعد ذلك". (ولما حضرت عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما (الوفاة قال: إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش ، وقد كان مني إليه شبه الوعد، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق) ، يشير إلى الحديث الذي رواه هو، ويأتي قريبا، وفيه: "وإذا وعد أخلف". فخلف الوعد ثلث النفاق، (اشهدوا أني قد زوجته ابنتي) أخرجه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن إبراهيم ، حدثني محمد بن كثير ، عن الأوزاعي عن هارون بن رباب ، قال: لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة.. فذكره، وفيه: اشهدوا أني قد زوجتها إياه . (وعن عبد الله بن أبي الحمساء) بالمهملتين المفتوحتين بينهما ميم ساكنة، العامري، وقيل: هو عبد الله بن أبي الجدعاء، قال المزني: والراجح أنه غيره، (قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث، فبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك، فنسيت يومي والغد، فأتيته اليوم الثالث، وهو في مكانه، فقال: يا فتى، قد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك ) ، قال العراقي : رواه أبو داود ، واختلف في إسناده، وقال ابن مهدي : ما أظن إبراهيم بن طهمان إلا أخطأ. اهـ .

قلت: قال الحافظ في الإصابة في ترجمته: له حديث عند أبي داود والبزار من طريق عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ، عن أبيه عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم.. الحديث. اهـ. وقال ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سنان العوفي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الكريم ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم.. فذكره، وقال الخرائطي في مكارم الأخلاق، حدثنا نصر بن داود الخلنجي ، حدثنا محمد بن سنان أبو بكر العوفي ، وحدثنا عباس بن أحمد الدوري ، حدثنا معاذ بن هانئ القناد ، قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الكريم ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي الحمساء رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره، قلت: وقد وقع هكذا في نسخة الصمت، ونسخة مكارم الأخلاق، عبد الكريم ، عن عبد الله بن شقيق عن أبيه، والصواب عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ، كما في نسخ سنن أبي داود ، وعبد الكريم هذا روى عن أبيه، مجهول، وأبوه عبد الله بن شقيق العقيلي، بالضم، البصري ، ثقة، فقيه، مات سنة ثمان ومئة .




الخدمات العلمية