الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال عمر رضي الله عنه : عليكم بذكر الله تعالى ؛ فإنه شفاء ، وإياكم وذكر الناس ؛ فإنه داء نسأل الله حسن التوفيق لطاعته .

.

التالي السابق


( وقال عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله؛ فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس ؛ فإنه داء ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن العباس العنبري ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا محرز ، وهو أبو رجاء الشامي ، عن عمر بن عبد الله عن عمران بن عبد الرحمن قال: قال عمر بن الخطاب : عليكم بذكر الله.. فساقه، وروي أيضا عن خالد بن مرداس ، حدثنا أبو عقيل ، عن حفص بن عثمان ، قال: كان عمر بن الخطاب يقول: لا تشغلوا أنفسكم بذكر الناس؛ فإنه بلاء، وعليكم بذكر الله؛ فإنه رحمة ، وقد روي ذلك أيضا من قول سليمان ، قال ابن أبي الدنيا : حدثني أبو محمد الأزدي ، حدثنا علي بن يزيد عن صالح المري قال: كتب سلمان إلى أبي الدرداء : أما بعد؛ فإني أوصيك بذكر الله؛ فإنه دواء، وأنهاك عن ذكر الناس؛ فإنه داء . وقد بقيت أخبار وآثار أحببت إيرادها في هذا الباب، هي على شريطة المصنف، قال السدي : كان سلمان رضي الله عنه مع رجلين في سفر يخدمهما وينال من طعامهما، وإن سلمان قام يوما فطلبه صاحباه، فلم يجداه، فضربا الخباء، قالا: ما يريد [ ص: 538 ] سلمان شيئا غير هذا، أن يجيء إلى طعام معدود، وخباء مضروب. فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب لهما إداما، فانطلق، فأتاه، فقال: يا رسول الله، بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك. قال: ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا. فرجع سلمان فأخبرهم، فانطلقا، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا. قال: إنكما قد ائتدمتما سلمان بقولكما. فنزلت: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ، أخرجه ابن أبي حاتم ، وقال ابن جريج : زعموا أنها نزلت في سلمان ، أكل ثم رقد، فنفخ، فذكر رجلان أكله ورقاده، فنزلت. أخرجه ابن المنذر ، وقال مقاتل : نزلت في رجل كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل بعض الصحابة إليه يطلب منه إداما، فمنع، فقالوا له: إنه بخيل وخيم. فنزلت في ذلك. أخرجه ابن أبي حاتم ، وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن حرام على المؤمن، لحمه عليه حرام أن يلطمه" . أخرجه ابن مردويه ، وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه "أنه مر على بغل ميت وهو في نفر من أصحابه، فقال: والله لأن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم" . أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي شيبة ، وأحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في الصمت، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، وعن جابر رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتفعت لنا ريح منتنة، فقال: أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس" . أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا في الصمت، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لا يتوضأ أحدكم من الكلمة الخبيثة يقولها لأخيه، ويتوضأ من الطعام الحلال!" . أخرجه البيهقي ، وقال إبراهيم : الوضوء من الحدث وأذى المسلم. كذا أخرجه البيهقي ، وعن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: الحدث حدثان; حدث من فيك، وحدث من نومك، وحدث الفم أشد: الكذب والغيبة .

أخرجه البيهقي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلين صليا صلاة الظهر والعصر، وكانا صائمين، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: أعيدا وضوءكما وصلاتكما، وامضيا في صومكما واقضيا يوما آخر مكانه. قالا: لم يا رسول الله؟ قال: قد اغتبتما فلانا" . أخرجه الخرائطي في مساوئ الأخلاق، والبيهقي ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الربا سبعون حوبا، أيسرها كنكاح الرجل أمه، وأربى الربا عرض الرجل المسلم" . رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا ، وقال عبيدة السلماني : اتقوا المفطرين: الغيبة والكذب . رواه ابن أبي الدنيا .

وقال خالد الربعي : دخلت المسجد فجلست إلى قوم فذكروا رجلا، فنهيتهم عنه، فكفوا، ثم جرى بهم الحديث حتى عادوا في ذكره، فدخلت معهم في شيء من أمره، فلما كان الليل، رأيت في المنام كأن شيئا أسود طويلا يشبه الرجل، إلا أنه طويل جدا، معه طبق خلاف أبيض، عليه لحم خنزير، فقال: كل. فقلت: آكل لحم خنزير؟! والله لا آكله. فأخذ بقفاي وقال لي: كل. وانتهرني انتهارة شديدة، ودسه في فمي، فجعلت ألوكه ولا أسيغه، وأفرق أن ألقيه، واستيقظت، قال: فبمحلوفه لقد مكثت ثلاثين يوما وثلاثين ليلة ما آكل طعاما إلا وجدت طعم ذلك اللحم في فمي . أخرجه ابن أبي الدنيا ، قال: وسمعت أبا يحيى بن أيوب يذكر عن نفسه أنه رأى في المنام صنع به نحو هذا، وأنه وجد طعم الدسم على شفتيه أياما، وذلك أنه كان يجالس رجلا يغتاب الناس . وعن وهب بن منبه أن ذا القرنين قال لبعض الأمم: ما بال كلمتكم واحدة، وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: إنا لا نتخادع، ولا يغتاب بعضنا بعضا . رواه ابن أبي الدنيا . وعن عكرمة رفعه "أنه صلى الله عليه وسلم لحق قوما فقال لهم: تخللوا. فقال القوم: يا نبي الله، والله ما طعمنا اليوم طعاما. فقال: والله إني لأرى لحم فلان بين ثناياكم. وكانوا قد اغتابوه" . رواه عبد بن حميد ، وقال كعب الأحبار : الغيبة تحبط العمل. رواه ابن أبي الدنيا ، وعن شفي بن قانع الأصبحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى ، يسعون بين الحميم والجحيم يدعون بالويل والثبور، يقول بعض أهل النار لبعض: ما بال هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى؟ قال: فرجل معلق عليه تابوت من جمر، ورجل يجر أمعاءه، ورجل يسيل فوه قيحا ودما، ورجل يأكل لحمه، فيقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن [ ص: 539 ] الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بالنميمة، رواه ابن أبي الدنيا ، وقال عون بن عبد الله : ما أحسب أحدا تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه . رواه ابن أبي الدنيا ، وقال بكر بن عبد الله المزني : إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس، ناسيا لعيبه، فاعلموا أنه قد مكر به . رواه ابن أبي الدنيا .




الخدمات العلمية