ثم قال: (وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28833حجتنا في حصول المعرفة بمجرد العقل فقوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=17أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=18وإلى السماء كيف رفعت nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=19وإلى الجبال كيف نصبت nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=20وإلى الأرض كيف سطحت [سورة الغاشية: 17-20 ]، وقال في موضع آخر
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=21وفي أنفسكم أفلا تبصرون [سورة الذاريات:21 ]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [سورة فصلت: 53]، فهذا كله دعوة إلى الدلائل العقلية، وهو التأمل في الآيات الدالة على حدوث العالم، وقدم الصانع، من غير شرط، على ما نبنيه من بعد) .
قال: (ولأنه بالعقل يستدل بالشاهد على الغائب، وبالبناء على الباني، وبالكتابة على الكتاب، من غير سماع خطاب) .
[ ص: 28 ]
قال: (وآثار صنع الباري - عزت قدرته - في الموجودات أكثر وأظهر من كل دليل. وكل من وقف على آثار صنعته بنور عقله، يقع له العلم بوجود الصانع. إذ لا يتصور مصنوع بلا صانع، ولا مخلوق بلا خالق) .
قال: (والدليل على أن النظر أول الواجبات هو أن سائر الواجبات من الصلاة والصيام إنما يوجد بعد المعرفة، لأنه إنما يصح أن يتقرب إلى الله من يعرفه. فصارت المعرفة متقدمة على سائر الواجبات، والنظر متقدم على المعرفة، لأنه طريق إليها، وطريق الشيء متقدم عليه، فصح أن النظر متقدم على كل شيء واجب، وهنا التقدم في النظر إنما هو في وجوده لا في وجوبه، وإلا فالواجب الأول هو المعرفة. يعني: الواجب قصدا) .
قال: (والحاجة التي دعت إلى النظر هو أنه لا طريق إلى المعرفة إلا به. والدليل على ذلك أن المعرفة إما تكون واقعة مبتدأة، كمعرفة العاقل أن العشرة أكثر من الخمسة، وإما أن تكون واقعة عن طريق، كمعرفتنا بالمدركات إذا أدركناها بحواسنا الخمس، وكمعرفتنا بما غاب عنا إذا أخبرنا به خلق عظيم شاهدوه، نحو معرفتنا
[ ص: 29 ] بمكة من جهة الخبر، وإما أن تكون بالاستدلال، كاستدلالنا بالبناء على الباني) .
ثُمَّ قَالَ: (وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28833حُجَّتُنَا فِي حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=17أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=18وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=19وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=20وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [سُورَةِ الْغَاشِيَةِ: 17-20 ]، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=21وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [سُورَةِ الذَّارِيَاتِ:21 ]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [سُورَةِ فُصِّلَتْ: 53]، فَهَذَا كُلُّهُ دَعْوَةٌ إِلَى الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ التَّأَمُّلُ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالِمِ، وَقِدَمِ الصَّانِعِ، مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، عَلَى مَا نَبْنِيهِ مِنْ بَعْدُ) .
قَالَ: (وَلِأَنَّهُ بِالْعَقْلِ يُسْتَدَلُّ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ، وَبِالْبِنَاءِ عَلَى الْبَانِي، وَبِالْكِتَابَةِ عَلَى الْكِتَابِ، مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ خِطَابٍ) .
[ ص: 28 ]
قَالَ: (وَآثَارُ صُنْعِ الْبَارِي - عَزَّتْ قُدْرَتُهُ - فِي الْمَوْجُودَاتِ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ كُلِّ دَلِيلٍ. وَكُلُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى آثَارِ صَنْعَتِهِ بِنُورِ عَقْلِهِ، يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ. إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ مَصْنُوعٌ بِلَا صَانِعٍ، وَلَا مَخْلُوقٌ بِلَا خَالِقٍ) .
قَالَ: (وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ هُوَ أَنَّ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إِنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ مَنْ يَعْرِفُهُ. فَصَارَتِ الْمَعْرِفَةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، وَالنَّظَرُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَيْهَا، وَطَرِيقُ الشَّيْءِ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ، فَصَحَّ أَنَّ النَّظَرَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَاجِبٍ، وَهُنَا التَّقَدُّمُ فِي النَّظَرِ إِنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ لَا فِي وُجُوبِهِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرِفَةُ. يَعْنِي: الْوَاجِبَ قَصْدًا) .
قَالَ: (وَالْحَاجَةُ الَّتِي دَعَتْ إِلَى النَّظَرِ هُوَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى الْمَعْرِفَةِ إِلَّا بِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ إِمَّا تَكُونُ وَاقِعَةً مُبْتَدَأَةً، كَمَعْرِفَةِ الْعَاقِلِ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَكْثَرُ مِنَ الْخَمْسَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً عَنْ طَرِيقٍ، كَمَعْرِفَتِنَا بِالْمُدْرَكَاتِ إِذَا أَدْرَكْنَاهَا بِحَوَاسِّنَا الْخَمْسِ، وَكَمَعْرِفَتِنَا بِمَا غَابَ عَنَّا إِذَا أَخْبَرَنَا بِهِ خَلْقٌ عَظِيمٌ شَاهَدُوهُ، نَحْوَ مَعْرِفَتِنَا
[ ص: 29 ] بِمَكَّةَ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالِاسْتِدْلَالِ، كَاسْتِدْلَالِنَا بِالْبِنَاءِ عَلَى الْبَانِي) .