الباب الرابع والعشرون 
في معرفة رضاه وسخطه صلى الله عليه وسلم  
وروى  أبو الشيخ  عن  كعب بن مالك  رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه ، كأنه دارة القمر . 
وروى أيضا عن  أم سلمة  رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمر وجهه . 
وروى عن  عمران بن حصين  رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه . 
وروى أيضا عن  عائشة  رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته . 
وروى قاسم بن ثابت  في غريبه عنها أيضا قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد وجده مسح بيده على رأسه ولحيته ، وتنفس الصعداء ، وقال : «حسبي الله ونعم الوكيل» فيعرف بذلك شدة غمه . 
وروى  البيهقي  عن هند بن أبي هالة  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واسع الجبينين ، أزج الحواجب ، في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ، إذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه . 
وروى أبو الحسن بن الضحاك  عن  أبي هريرة  رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نتنازع في القدر ، فغضب حتى احمر وجهه ، كأنما ألقي على وجهه حب الرمان ، حتى أقبل علينا فقال : «أبهذا أمرتم ؟ أم بهذا أرسلت إليكم ؟ هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر ، عزمت عليكم أن لا تفعلوا» . 
وروى  أبو الشيخ  عن  عائشة  رضي الله تعالى عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه . 
 [ ص: 127 ] وروى  أبو بكر بن أبي شيبة  عن  عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده قال : كنا جلوسا بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض : ألم يقل الله تعالى كذا وكذا ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فخرج فكأنما عصر على وجهه حب الرمان ، فقال : «أبهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ لا تضربوا كتاب الله تعالى بعضه ببعض ، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا ، وانظروا إلى الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه» . 
وروى  الإسماعيلي  عن  عائشة  رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بما يستطيعون من العمل قالوا : يا رسول الله ، إنا لسنا كهيأتك ، إن الله تعالى قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فيغضب حتى يعرف ذلك في وجهه ، ثم يقول : «أنا أتقاكم ، وأعلمكم بالله» . 
وروى  الترمذي  عن عبد الله بن أبي بكر ،  عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني عبد الأشهل على الصدقة ، فلما قدم سأله إبلا من الصدقة ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه -أن تحمر عيناه- ثم قال : «إن الرجل ليسألني ما لا يصلح لي ولا له ، فإن منعته كرهت المنع ، وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له» ، فقال الرجل : يا رسول الله : لا أسألك شيئا منها . 
وروي عن  عائشة  رضي الله تعالى عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا لنفسه قط ، وكان إذا انتهك من محارم الله كان أشدهم في ذلك . 
تنبيه : في بيان غريب ما سبق   : 
الرضا : مصدر رضي وهي في حق المخلوق : ميل النفس وانبساطها ، وفي حق القديم : عبارة عن إرادته تنعم المرضي عنه . 
السخط : بضم السين المهملة ، وسكون الخاء المعجمة ، والقياس ضمها : تغير النفس ، وانقباضها لأخذ الثأر ، وفي حق الخالق تعالى : عبارة عن إرادته لتعذيب المغضوب عليه ، فإرادته تعالى واحدة ، قديمة متعلقة بما يتناهى من الإرادات ، كما أن علمه واحد ، ومعلوماته لا تتناهى . 
الوجد : الغم : بغين معجمة مفتوحة فميم .  [ ص: 128 ] 
المس : التغطية . 
الصعداء : بضم الصاد ، وفتح العين والدال المهملات : تنفس طويل . 
الحواجب : تقدم الكلام عليه . 
أشاح : بهمز وشين معجمة ، وحاء مهملة بعد الألف : إذا بالغ في الإعراض ، وجد فيه ، ويقال : أشاح إذا عدل بوجهه ، وهذا معنى هذا الحرف في هذا الموضع . 
وقيل : الشيح : البالغ في كل أمر ، أي : إذا بلغ لم يكن ينتقم ويؤاخذ ، بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه . وغض الطرف عند الفرح على نفي البطر والأشر . 
غض طرفه بغين وضاد معجمتين ، أي : خفضه ، ولم يرفعه من الحياء والخفر . 
				
						
						
