الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في حصيره ، وفراشه ، ولحافه ، ووسادته ، وقطيفته ، وبساطه ، ونطعه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجز حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار ، فيجلس عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن المبارك في الزهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر الحصير بجلده ، فلما استيقظ جعلت أمسح عنه وأقول : يا رسول الله ألا أخبرتنا قبل أن تنام على هذا الحصير نبسط لك شيئا يقيك منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما لي وللدنيا ، ما أنا إلا كراكب استظل تحت ، أو في ظل شجرة ، ثم راح وتركها » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : دخل عمر بن الخطاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو نائم على حصير ، فأثر في جنبه ، فقال : يا رسول الله ، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ، فقال : «ما لي وللدنيا ، والذي نفسي بيده ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة ، ثم راح وتركها » ، تقدم في باب زهده بطرقه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى سعيد بن منصور عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم رثا غليظا ، فأردت أن أجعل له فراشا آخر ليكون أوطأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلته ، فجاء فقال : «ما هذا يا عائشة ؟ » قلت : يا رسول الله رأيت فراشك رثا غليظا فأردت أن يكون هذا أوطأ لك ، فقال : «أخريه اثنتين ، والله لا أقعد عليه حتى ترفعيه » قالت : فرفعت الأعلى الذي صنعت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر البزار عنها قالت : ما رأيت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكيت ، أو ما كان إلا أدما حشوه ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم وأبو مسلم الكجي ، والبرقاني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالت : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه من أدم ، حشوه ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود بلفظ : كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم ، حشوها ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد وأبو الشيخ والحسن بن عرفة عنها قالت : دخلت علي امرأة من الأنصار ، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية ، فانطلقت ، فبعثت إلي فراشا حشوه الصوف [ ص: 357 ] فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ما هذا يا عائشة ؟ » قلت : إن فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك ، فذهبت فبعثت إلي بهذا فقال : «رديه » فلم أرده ، وأعجبني أن يكون في بيتي ، حتى قال لي ذلك ثلاث مرات ، فقال : «رديه يا عائشة ، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة » ، قالت فرددته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عدي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بارد في حاجة ، فجئت ، ومعه بعض نسائه في لحاف ، فأدخلني في لحافه .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن أبي قلابة عن بعض آل أم سلمة قال : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا مما يوضع للإنسان في قبره ، وكان المسجد عند رأسه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بشر الدولابي وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه بالليل وسادة من أدم ، حشوها ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بشر الدولابي وأبو الشيخ وغيرهما عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم ، وقال : «اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن أبي ذر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قال : إنا لجلوس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه ، إذ أقبل رجل من أحسن الناس وجها ، وأطيب الناس ريحا ، وأنقى الناس ثيابا ، كأن ثيابه لم تدنس ، حتى سلم من طرف البساط ، فقال : السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام ، وذكر الحديث في مجيء جبريل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع على نطع فعرق ، فقامت أم سليم فصنعته ، فجعلته في قارورة ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «ما هذا الذي تصنعين يا أم سليم ؟ » قالت : أجعل عرقك في طيبي ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : جاء رجل من مراد يقال له صفوان ابن عساكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على بردعة حمراء في المسجد - الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتكئ عليها من أدم ، حشوها ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، وذكر الحديث ، وفيه قام بي حتى أتى داره ، فألقت وليدة له وسادة ، فجلس عليها ، وجلست بين يديه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 358 ] وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : دخل سلمان على عمر رضي الله تعالى عنهما ، وهو متكئ على وسادة ، فألقاها له فقال سلمان : الله أكبر صدق الله ورسوله فقال عمر : حدثنا يا أبا عبد الله قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على وسادة ، فألقاها إلي ، ثم قال : «يا سلمان ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقي له وسادة إكراما له إلا غفر الله له » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد بن حميد وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : إنه استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فدخلت وإنه لعلى خصفة مضطجع ، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا ، وإن فوق رأسه لإهاب - الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عنه أيضا قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئا على مرقعة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو على حصير قد أثر في جنبه ، وإذا تحت رأسه مرقعة من أدم حشوها ليف ، وتقدم في صفة جلسته أحاديث فلتراجع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الشيخ عن الربيع بن زياد أن عمر بن الخطاب قال لحفصة : أخبريني بألين فراش فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان لنا كساء من هذه المائدة أصبناه يوم خيبر ، فكنت أفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة فينام ، وإني ثنيته له ذات ليلة فلما أصبح قال : «ما كان فراش البارحة ؟ » قلت : فراشك كل ليلة ، إلا أني ثنيته الليلة قال : «أعيديه لحالته الأولى فإنه منعني وطاءته البارحة من الصلاة » فأرسل عمر عينيه بالبكاء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : سألت عائشة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك ؟ قالت : من أدم حشوه ليف ، وسألت حفصة : ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : مسح ثنيته ثنيتين ، فينام عليه ، فلما كان ذات ليلة قلت : لو ثنيته له بأربع كان أوطأ له ، فثنيته بأربع ثنيات ، فلما أصبح قال : «ما فرشتم لي الليلة ؟ » قلنا : هو فراشك إلا أنا ثنيناه لأربع ثنيات ، قلنا هو أوطأ لك قال : «ردوه لحاله الأولى ، فإنه منعني وطاءته صلاتي الليلة » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تفرش للنبي صلى الله عليه وسلم عباءة [ ص: 359 ] باثنتين ، فجاء ليلة وقد ربعتها فنام عليها ، فقال : «يا عائشة مال فراشي الليلة ليس كما يكون ؟ » قلت : يا رسول الله أربعتها لك قال : «فأعيديه كما كان » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه طرف اللحاف ، وعلى عائشة طرفه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه بات عند خالته ميمونة فجاءت بكساء فطرحته ، وفرشته للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاءت ميمونة بخرقة عند رأس الفراش ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صلى العشاء الآخرة ، فانتهى إلى الفراش ، فأخذ الخرقة التي عند رأس الفراش فأتزر بها ، وخلع ثوبه ، فعلقها ، ثم دخل معها في لحافها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بساط يسمى الكن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له بساط يسمى الكن ، وكانت له عباءة تسمى النمرة ، وكانت له ركوة تسمى الصادرة ، وكانت له مرآة تسمى المرآة ، وكان له مقراض يسمى الجامع ، وكان له قضيب يسمى الممشوق .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 360 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية