الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الحادي عشر في بعض مناقب أم المؤمنين جويرية بنت الحارث الخزاعية ثم المصطلقية - رضي الله تعالى عنها -

                                                                                                                                                                                                                                وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                                  الأول : في اسمها ونسبها .

                                                                                                                                                                                                                                روى ابن أبي خيثمة ، وأبو عمر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : كان اسم جويرية برة ، فغيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسماها جويرية . كره أن يقال خرج من عند برة ، وهي جويرية ، - بضم الجيم مصغر - بنت الحارث بن أبي ضرار - بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء - ابن الحارث بن المصطلق ، وأمها [ . . . ] .

                                                                                                                                                                                                                                الثاني : في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها .

                                                                                                                                                                                                                                قال ابن أبي خيثمة : كانت قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند مسافع - بميم مضمومة فسين مهملة وبعد الألف فاء مكسورة - قتل كافرا ابن صفوان ، سبيت يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس ، فكاتبها على تسع أواق ، فأدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها كتابتها وكان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية وقيل : كان يطؤها بملك اليمين ، والأول هو الراجح .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق ، وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها ، قالت عائشة : فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت : يرى منها ما قد رأيت ، فلما دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فأعني على كتابتي قال : أوخير من ذلك ، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك ، فقالت : نعم ، ففعل ، فبلغ الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوجها ، فقالوا : أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترقون فأعتقوا بأيديهم من بني المصطلق ، فلقد أعتق - الله تعالى - لها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا أعلم امرأة أعظم منها على قومها بركة .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن سعد عن أبي قلابة ، بكسر القاف وبالموحدة ، قال : جاء أبو جويرية ، فقال : لا [ ص: 211 ] يسبى مثلها ، فخل سبيلها ، فقال : بل أخيرها ، قال : قد أحسنت ، فأتى أبوها ، فقال : إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا ، قالت : فإني أختار الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                وروى البيهقي عنها قالت : رأيت قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ليال كأن قمرا يسير من يثرب حتى وقع في حجري ، فكرهت أن أخبر بها أحدا من الناس حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم فلما سبينا رجوت الرؤيا فاعتقني وتزوجني وأسلم أبوها بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني - مرسلا - برجال الصحيح عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال : كانت جويرية ملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقها ، وجعل عتقها صداقها ، وأعتق كل أسير من بني المصطلق .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني - بسند حسن - عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال : سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار يوم واقع بني المصطلق وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح - عن مجاهد - رحمه الله تعالى - قال : قالت جويرية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أزواجك يفتخرن علي ويقلن لم يتزوجك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أولم أعظم صداقك ، ألم أعتق أربعين من قومك ؟ . وتقدم في غزوة بني المصطلق بأبسط مما هنا .

                                                                                                                                                                                                                                الثالث : في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - ماتت في ربيع الأول سنة خمسين وهو الصحيح ، وقيل : سنة ست وخمسين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة وقد بلغت سبعين سنة ، لأنه تزوجها سنة عشرين ، وقيل : هي بنت عشرين سنة ، وقيل : توفيت سنة خمسين وهي بنت ست وخمسين والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 212 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية