الباب التاسع في بعض فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه -  
  وفيه أنواع : 
    الأول : في مولده   . 
  ولد في السنة السادسة بعد الفيل ، بويع له بالخلافة غرة المحرم سنة أربع وعشرين ، وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا ليالي . 
  الثاني : في أنه أحد العشرة المبشرة بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى التي جعلها  عمر   - رضي الله تعالى عنه - بينهم  ، وقال : لا أحمل أمركم حيا وميتا وإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خير هؤلاء كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : ما أظن الناس يعدلون  بعثمان   وعلي  أحدا إنهما كانا يكتبان الوحي بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم :  عثمان  ،  وعلي  ،  وطلحة  ، والزبير  ،  وسعد بن أبي وقاص  ،  وعبد الرحمن بن عوف  ، فلما مات  عمر   - رضي الله تعالى عنه - وأحضرت جنازته تبادر إليه  علي   وعثمان  أيهما يصلي عليه فقال لهما  عبد الرحمن بن عوف   : لستما من هذا في شيء ، إنما هذا في  صهيب  الذي أمره أمير المؤمنين  عمر  يصلي بالناس فتقدم  صهيب   - وصلى عليه فلما فرغ شأن  عمر   - رضي الله تعالى عنه - جمعهم المقداد بن الأسود  في بيت  المسور بن مخرمة  ، وقيل : في حجرة  عائشة  ، وقيل : في بيت المال ، وقيل : في بيت فاطمة بنت قيس  ، والأول أشبه ، وقام  أبو طلحة  يحجبهم ، ثم صار الأمر إلى أن فوض الأمر  الزبير  إلى  علي  وسعد  إلى  عبد الرحمن بن عوف  ،  وطلحة   لعثمان  ، ثم قال  عبد الرحمن بن عوف   - رضي الله تعالى عنه - : فإني أترك حقي من ذلك والله على أن أجتهد والإسلام ، فأولي أولاكما بالحق ، فقالا : نعم ، ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل ، وأخذ عليه العهد والميثاق إن ولاه ليعدلن ، ولئن ولي عليه ليسمعن ، فقال كل منهما : نعم ، ثم نهض  عبد الرحمن بن عوف   - رضي الله تعالى عنه - يتشير الناس فيهما ، ويجتمع برؤوس الناس وغيرهم مثنى وفرادى ، وجمعا وأشتاتا ، سرا وجهرا ، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن ، وحتى سأل الولدان في المكاتب ، وحتى سأل من يرد من الركبان والأعراب إلى المدينة  في مدة ثلاثة أيام بلياليهن ، فلم يجد اثنين مختلفين في تقديم  عثمان  إلا ما ينقل عن  عمار  والمقداد  ، فإنهما أشارا  لعلي بن أبي طالب  ، ثم بايعا مع الناس ، فسعى عبد الرحمن  في تلك الأيام ، واجتهد اجتهادا كثيرا ، ثم صعد منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام على الدرجة التي يجلس عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووقف وقوفا طويلا ودعا دعاء طويلا ، ثم قال : أيها الناس ، قد سألتكم سرا ، وجهرا ، مثنى وفرادى ، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين  [ ص: 278 ] الرجلين ، فقم إلي يا  علي  ، فقام إليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن  بيده ، فقال : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وفعل  أبي بكر   وعمر  ؟ فقال : اللهم لا ، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي ، فأرسل يده ، وقال : قم يا  عثمان  ، فقال : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعل  أبي بكر   وعمر  ؟ قال : اللهم نعم ، قال : فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد  عثمان  فقال : اللهم اسمع واشهد ، اللهم اسمع واشهد ، اللهم اسمع واشهد ، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة  عثمان  ، وازدحم الناس يبايعون  عثمان  وبايعه  علي بن أبي طالب  أولا ، ويقال آخرا ، هذا الذي يجب الاعتماد إليه ، وأما ما هو مسطور في كتب المؤرخين وأرباب السير فلا يعرج عليه ، ثم إن  عثمان   - رضي الله تعالى عنه - لما بويع رقى إلى منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر أو قبل الزوال يومئذ وعبد الرحمن  جالس في رأس المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقال : أيها الناس : إنكم في بقية آجالكم ، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه ، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور ، واعتبروا بمن مضى من القرون وانقضى ثم جدوا ولا تغفلوا أين أبناء الدنيا وإخوانها ؟ أين الذين شيدوها وعمروها وتمتعوا بها طويلا ؟ ألم تلفظهم ؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله عز وجل ، واطلبوا الآخرة حيث رغب الله - عز وجل - فيها ، فإن الله - سبحانه وتعالى - قد ضرب لكل مثلا ، فقال سبحانه وتعالى : واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا   [الكهف 45 ] . 
  وفي لفظ : لما بويع له خرج إلى الناس فخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، اتقوا الله ، فإن تقوى الله غنم ، وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، وفي خطبة أخرى : قال ابن آدم  اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطاك إلى غيرك منذ أتيت في الدنيا ، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك فخذ حذرك واستعد له ولا تغفل ، فإنه لا يغفل عنك ، واعلم أنك إن غفلت عن نفسك ولم تستعد فلا بد من لقاء الله ، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك ، والسلام . 
  وفي أخرى : إن الله أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ، ولم يعطيكموها لتركنوا إليها ، إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى ، فلا تشتغلوا بالفانية عن الباقية وآثروا ما يبقى على ما يفنى ، فإن الدنيا منقطعة ، وإن المصير إلى الله ، واتقوا الله فإن تقواه جنة من عذابه ووسيلة عنده ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء ، فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا . 
  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					