الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم في أقواله البلاغية  
[قال  القاضي عياض   ] أما أقواله صلى الله عليه وسلم فقامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه ، وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به ، لا قصدا وعمدا ، ولا سهوا وغلطا . 
أما تعمد الخلف في ذلك فمنتف ، بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله فيما قال اتفاقا ، وبإطباق أهل الملة إجماعا . 
وأما وقوعه على جهة الغلط في ذلك فبهذه السبيل عند الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني  ومن قال بقوله ، ومن جهة الإجماع فقط ، وورود الشرع بانتفاء ذلك ، وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم لا من مقتضى المعجزة نفسها عند القاضي أبي بكر الباقلاني  ومن وافقه لاختلاف بينهم في مقتضى دليل المعجزة لا نطول بذكره ، فنخرج عن غرض الكتاب ، فلنعتمد على ما وقع عليه إجماع المسلمين- أنه لا يجوز عليه خلف في القول في إبلاغ الشريعة ، والإعلام بما أخبر به عن ربه ، وما أوحاه إليه من وحيه ، لا على وجه العمد ، ولا على غير عمد ، ولا في حالي الرضا والسخط ، والصحة والمرض . 
وفي حديث  عبد الله بن عمرو   : قلت يا رسول الله : أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : 
نعم . قلت : في الرضا والغضب ؟ قال : نعم ، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا  . 
إذا قامت المعجزة على صدقه ، وأنه لا يقول إلا حقا ، ولا يبلغ عن الله إلا صدقا ، وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له : صدقت فيما تذكره عني ، وهو يقول : إني رسول الله إليكم لأبلغكم ما أرسلت به إليكم ، وأبين لكم ما نزل عليكم ، وما ينطق عن الهوى   . إن هو إلا وحي يوحى   [النجم 3 ، 4] . و قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم   [النساء 170] . 
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا   [الحشر 7] ، فلا يصح أن يوجد منه في هذا الباب خبر بخلاف مخبره على أي وجه كان . 
ولو جوزنا عليه الغلط والسهو لما تميز لنا من غيره ، ولاختلط الحق بالباطل ، فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص ، فتنزيه النبي عن ذلك كله واجب برهانا وإجماعا كما قاله أبو إسحاق   .  [ ص: 464 ] 
				
						
						
