( ما عصمه الله به من أمر الجاهلية   ) 
ومما عصم الله به محمدا  صلى الله عليه وسلم من أمر الجاهلية أن قريشا  كانوا يسمون الحمس ، يعني الأشداء الأقوياء ، وكانوا يقفون في الحرم  بمزدلفة ،  ولا يقفون مع الناس بعرفة ،  يفعلون ذلك رياسة  [ ص: 72 ] وبأوا ، وخالفوا بذلك شعائر إبراهيم   - عليه السلام- في جملة ما خالفوا . فروى  البخاري  ومسلم  من حديث جبير بن مطعم ،  قال : أضللت بعيرا لي يوم عرفة ،  فخرجت أطلبه بعرفة ،  فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة ،  فقلت : هذا من الحمس ، فما شأنه هاهنا ؟ 
وقال ابن إسحاق   : حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة ،  عن الحسن بن محمد ابن الحنفية ،  عن أبيه ، عن جده ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :  " ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين ، عصمني الله ، قلت ليلة لفتى من قريش   : أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة  كما تسمر الفتيان . قال : نعم ، فخرجت حتى جئت أدنى دار من دور مكة ،  فسمعت غناء وصوت دفوف ومزامير ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : فلان تزوج ، فلهوت بذلك حتى غلبتني عيني ، فنمت ، فما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي ، ثم فعلت ليلة أخرى مثل ذلك ، فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمله أهل الجاهلية ، حتى أكرمني الله بنبوته  . 
وروى مسعر ،  عن العباس بن ذريح ،  عن زياد النخعي ،  قال : حدثنا  عمار بن ياسر  أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أتيت في الجاهلية شيئا حراما ؟ قال : " لا ، وقد كنت معه على ميعادين ، أما أحدهما فحال بيني وبينه سامر قومي ، والآخر غلبتني عيني  " أو كما قال . 
وقال ابن سعد   : أخبرنا محمد بن عمر ،  قال : حدثني أبو بكر بن أبي سبرة ،  عن حسين بن عبد الله بن عبيد بن عباس ،  عن عكرمة ،  عن  [ ص: 73 ] ابن عباس  قال : حدثتني أم أيمن ،  قالت : كان بوانة صنما تحضره قريش ،  تعظمه وتنسك له النساك ، ويحلقون رءوسهم عنده ، ويعكفون عنده يوما في السنة ، وكان أبو طالب  يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد ، فيأبى ، حتى رأيت أبا طالب  غضب ، ورأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب ، وجعلن يقلن : إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا ، فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ، ثم رجع إلينا مرعوبا ، فقلن : ما دهاك ؟ قال : إني أخشى أن يكون بي لمم ، فقلن : ما كان الله ليبتليك بالشيطان ، وفيك من خصال الخير ما فيك ، فما الذي رأيت ؟ قال : " إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح : وراءك يا محمد  لا تمسه " قالت : فما عاد إلى عيد لهم حتى نبئ  . 
وقال أبو أسامة   : حدثنا محمد بن عمرو ،  عن أبي سلمة ،  ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ،  عن أسامة بن زيد ،  عن أبيه ، قال : كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة يتمسح المشركون به إذا طافوا ، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفت معه ، فلما مررت مسحت به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمسه " . قال زيد   : فطفنا ، فقلت في نفسي : لأمسنه حتى أنظر ما يكون ، فمسحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم تنه  " . هذا حديث حسن . وقد زاد فيه بعضهم عن محمد بن عمرو  بإسناده : قال زيد   : فوالله ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أنزل عليه  . 
وقال جرير بن عبد الحميد ،  عن  سفيان الثوري ،  عن  عبد الله بن محمد بن عقيل ،  عن جابر ،  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم شهد مع المشركين مشاهدهم ، فسمع ملكين خلفه ، وأحدهما يقول لصاحبه : اذهب بنا  [ ص: 74 ] حتى نقوم خلف رسول الله ، فقال : كيف نقوم خلفه ، وإنما عهده باستلام الأصنام قبيل ؟ قال : فلم يعد بعد ذلك أن يشهد مع المشركين مشاهدهم  . تفرد به جرير ،  وما أتى به عنه سوى شيخ  البخاري   عثمان بن أبي شيبة   . وهو منكر . 
وقال  إبراهيم بن طهمان   : أخبرنا بديل بن ميسرة ،  عن عبد الكريم ،  عن عبد الله بن شقيق ،  عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي الحمساء ،  قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعا قبل أن يبعث ، فبقيت له بقية ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك . قال : فنسيت يومي والغد ، فأتيته في اليوم الثالث ، فوجدته في مكانه ، فقال : يا فتى لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك  " . أخرجه أبو داود   . 
وأخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي ،  قال : أخبرنا أبو محمد بن البن ،  قال : أخبرنا جدي ، قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي العلاء ،  قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر ،  قال : أخبرنا علي بن أبي العقب ،  قال : أخبرنا أحمد بن إبراهيم ،  قال : حدثنا محمد بن عائذ ،  قال : حدثني الوليد ،  قال : أخبرني  معاوية بن سلام ،  عن جده أبي سلام الأسود ،  عمن حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا بأعلى مكة ،  إذا براكب عليه سواد فقال : هل بهذه القرية رجل يقال له أحمد ؟ فقلت ما بها أحمد ولا محمد  غيري ، فضرب ذراع راحلته فاستناخت ، ثم أقبل حتى كشف عن كتفي حتى نظر إلى الخاتم الذي بين كتفي فقال : أنت نبي الله ؟ قلت : ونبي أنا ؟ قال : نعم . قلت : بم أبعث ؟ قال بضرب أعناق قومك ، قال : فهل من زاد ؟ فخرجت حتى أتيت خديجة  فأخبرتها ،  [ ص: 75 ] فقالت : حريا أو خليقا أن لا يكون ذلك ، فهي أكبر كلمة تكلمت بها في أمري ، فأتيته بالزاد ، فأخذه وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى زودني نبي الله صلى الله عليه وسلم طعاما ، وحمله لي في ثوبه  " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					