( يسألونك عن الخمر والميسر    ) ، سبب نزولها سؤال عمر  ومعاذ  ، قالا : يا رسول الله ، أفتنا في الخمر والميسر ؛ فإنه مذهبة للعقل ، مسلبة للمال ؛ فنزلت . ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنهم لما سألوا عن ماذا ينفقون ؟ فبين لهم مصرف ذلك في الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ، ثم ذكر تعالى فرض القتال والجهاد في سبيل الله ، ناسب ذكر سؤالهم عن الخمر والميسر ؛ إذ هما أيضا من مصارف المال ، ومع مداومتهما قل أن يبقى مال فتتصدق به ، أو تجاهد به ؛ فلذلك وقع السؤال عنهما . وقال بعض من ألف في الناسخ والمنسوخ : أكثر العلماء على أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر ، وسورة الأنعام مكية ؛ فلا يعتبر بما فيها من قوله : ( قل لا أجد    ) ، وقال ابن جبير    : لما نزل : ( قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس    ) كره الخمر قوم للإثم ، وشربها قوم للمنافع ، حتى نزل : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى    ) ؛ فاجتنبوها في أوقات الصلاة ، حتى نزل : ( فاجتنبوه    ) فحرمت . قال  مكي    : فهذا يدل على أن هذه منسوخة بآية المائدة ، ولا شك في أن نزول المائدة بعد البقرة ، وقال قتادة    : ذم الله الخمر بهذه الآية ولم يحرمها ، وقال بعض الناس : لا يقال إن هذه الآية ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر ، لأنه يلزم منه أن الله أنزل إباحتها ، ثم نسخ ، ولم يكن ذلك ؛ وإنما كان مسكوتا عن شربها ، فكانوا جارين في شربها على عادتهم ، ثم نزل التحريم ، كما سكت عنهم في غيرها من المحرمات إلى وقت التحريم . وجاء : ( ويسألونك ) بواو الجمع ، وإن كان من سأل اثنين وهما : عمر  ومعاذ  ، على ما روي في سبب النزول ؛ لأن العرب تنسب الفعل الصادر من الواحد إلى الجماعة في كلامها ، وقد تبين ذلك . والسؤال هنا ليس عن الذات ، وإنما هو عن حكم هذين ، من حل وحرمة وانتفاع ، ولذلك جاء الجواب مناسبا لذلك ، لا جوابا عن ذات . وتقدم تفسير الخمر  في اللغة ، وأما في الشريعة فقال الجمهور : كل ما خامر العقل وأفسده مما يشرب يسمى خمرا ، وقال الرازي  عن أبي حنيفة    : الخمر اسم ما يتخذ من العنب خاصة ، ونقل عنه السمرقندي    : أن الخمر عنده هو اسم ما اتخذ من العنب والزبيب والتمر ، وقال :   [ ص: 157 ] إن المتخذ من الذرة والحنطة ليس من الأشربة ، وإنما هو من الأغذية المشوشة للعقل ، كالبنج والسيكران ، وقيل : الصحيح عن أبي حنيفة  أن القطرة من هذه الأشربة من الخمر . وتقدم تفسير الميسر ، وهو قمار أهل الجاهلية ، وأما في الشريعة فاسم الميسر يطلق على سائر ضروب القمار ، والإجماع منعقد على تحريمه . قال علي  ،  وابن عباس  ، وعطاء   وابن سيرين  ، والحسن  ،  وابن المسيب  ، وقتادة  ،  وطاوس  ، ومجاهد  ، ومعاوية بن صالح    : كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج وغيره ؛ فهو ميسر ، حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز ، إلا ما أبيح من الرهان في الخيل ، والقرعة في إبراز الحقوق . وقال مالك    : الميسر ميسران : ميسر اللهو ، فمنه النرد والشطرنج والملاهي كلها ، وميسر القمار : وهو ما يتخاطر الناس عليه ، وقال على الشطرنج : ميسر العجم . وقال القاسم    : كل شيء ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					