بلغ [ ص: 206 ] يبلغ بلوغا : وصل إلى الشيء ، قال الشاعر :
ومجر كغلان الأنيعم بالغ ديار العدو ذي زهاء وأركان
والبلغة منه - والبلاغ الأصل - يقع على المدة كلها وعلى آخرها . يقال لعمر الإنسان : أجل ، وللموت الذي ينتهي : أجل ، وكذلك الغاية والأمد . العضل : المنع ، عضل أيمه منعها من الزوج ، يعضلها بكسر الضاد وضمها ، قال : ابن هرمة
وإن فضاء يدي لك فاصطنعني كرائم قد عضلن عن النكاح
ويقال : دجاج معضل ، إذا احتبس بيضها ، قاله الخليل ، وقال :
ونحن عضلنا بالرماح نساءنا وما فيكم عن حرمة الله عاضل
ويقال : أصله الضيق ، عضلت المرأة : نشب الولد في بطنها ، وعضلت الشاة ، وعضلت الأرض بالجيش : ضاقت بهم ، قال أوس :
ترى الأرض منا بالفضاء مريضة معضلة منا بجيش عرمرم
وأعضل الداء الأطباء : أعياهم ، وداء عضال : ضاق علاجه ولا يطاق ، قالت ليلى الأخيلية :
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
وأعضل الأمر : اشتد وضاق ، وكل مشكل عند العرب معضل ، وقال - رحمة الله عليه : الشافعي
إذا المعضلات تصدينني كشفت حقائقها بالنظر
الرضع : مص الثدي لشرب اللبن ، يقال منه : رضع يرضع رضعا ورضاعا ورضاعة ، وأرضعته أمه ، ويقال للئيم : راضع ، وذلك لشدة بخله لا يحلب الشاة مخافة أن يسمع منه الحلب ، فيطلب منه اللبن ، فيرضع ثدي الشاة حتى لا يفطن به . الحول : السنة وأحول الشيء صار له حول ، قال الشاعر :
من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا
ويجمع على أحوال ، والحول : الحيلة ، وحال الشيء : انقلب ، وتحول : انتقل ، ورجل حول : كثير التقليب والتصرف ، وقد تقدم أن حول يكون ظرف مكان ، تقول : زيد حولك وحواليك وحوالك وأحوالك ، أي : فيما قرب منك من المكان . الكسوة : اللباس ، يقال منه : كسا يكسو ، وفعله يتعدى إلى اثنين ؛ تقول : كسوت زيدا ثوبا ، وقد جاء متعديا إلى واحد ، قال الشاعر :
وأركب في الروع خيفانة كسا وجهها سعف منتشر
ضمنه معنى غطا فتعدى إلى واحد ، ويقال : كسي الرجل فهو كاس ، قال الشاعر :
وأن يعرين إن كسي الجواري
وقال :
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
التكليف : الإلزام ، وأصله من الكلف ، وهو الأثر على الوجه من السواد ، فلان كلف بكذا أي : مغرى به ، وقال الشاعر :
يهدى بها كلف الخدين مختبر من الجمال كثير اللحم عيثوم
الوارث : معروف ، يقال منه : ورث يرث ، بكسر الراء ، وقياسها في المضارع الفتح ، ويقال : أرث وورث ، ويقال الإرث كما يقال ألده في ولده ، والأصل الواو . الفصال : مصدر فصل فصلا وفصالا ، وجمع فصيل ، وهو المفطوم عن ثدي أمه ، وفصل بين الخصمين : فرق فانفصلا ، وفصلت العير : خرجت ، والمعنى : فارقت مكانها ، وفصيلة الرجل : أقرب الناس إليه ، والفصيلة : قطعة من لحم الفخذ ، والتفصيل بمعنى التبيين ؛ ( آيات مفصلات ) ، وتفصيل كل شيء : تبيينه ، وهو راجع لمعنى تفريق حكم من حكم ؛ فيحصل به التبيين ، ومدار هذه اللفظة على التفرقة والتبعيد . التشاور في اللغة : هو استخراج الرأي ، من قولهم : شرت العسل [ ص: 207 ] أشوره إذا اجتنيته ، والشورة والمشورة ، وبضم العين وتنقل الحركة ، كالمعونة ، قال حاتم :
وليس على ناري حجاب أكفها لمقتبس ليلا ولكن أشيرها
وقال أبو زيد : شرت الدابة وشورتها : أجريتها لاستخراج جريها ، وكان مدار الكلمة على الإظهار ، فكأن كل واحد من المشاورين أظهر ما في قلبه للآخر ، ومنه الشوار : وهو متاع البيت لظهوره للناظر ، وشارة الرجل هيئته ؛ لأنها تظهر من زيه وتبتدئ من زينته ، وأورد بعضهم عند ذكر المادة هذه الإشارة فقال : والإشارة هي إخراج ما في نفسك وإظهاره للمخاطب بالنطق وغيره . انتهى . فإن كان هذا أراد أنهما يتقاربان من حيث المعنى فصحيح ، وإن أراد أنهما مشتركان في المادة فليس بصحيح ، وقد جرت هذه المسألة بين الأمير بن أغلب متولي أفريقية وبعض العلماء من أهل بلده ، كيف يقال إذا أشاروا إلى الهلال عند طلوعه وبنوا من الإشارة تفاعلنا ؟ فقالابن الأغلب : تشاورنا ، وقال ذلك العالم : تشايرنا ، وسألوا قتيبة صاحب الكسائي - وكان قد أقدمه ابن الأغلب من العراق إلى أفريقية لتعليم أولاده - فقالوا له : كيف تبني من الإشارة : تفاعلنا ؟ فقال : تشايرنا ؛ وأنشد للعرب بيتا شاهدا على ذلك عجزه :
فيا حبذا يا عز ذاك التشاير
فدل ذلك على اختلاف المادتين من ذوات الياء ، والمادة الأخرى من ذوات الواو .
( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) ، نزلت في ثابت بن بشار ، ويقال أسنان الأنصاري ، طلق امرأته حتى إذا بقي من عدتها يومان أو ثلاثة وكادت أن تبين ؛ راجعها ، ثم طلقها ، ثم راجعها ، ثم طلقها ، حتى مضت سبعة أشهر مضارة لها ، ولم يكن الطلاق يومئذ محصورا . والخطاب في " طلقتم " ظاهره أنه للأزواج ، وقيل : لثابت بن يسار ، خوطب الواحد بلفظ الجمع للاشتراك في الحكم ، وأبعد من قال أن الخطاب للأولياء ؛ لقوله : ( فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ) ، ونسبة الطلاق والإمساك والتسريح للأولياء بعيد جدا . فبلغن أي : قاربن انقضاء العدة والأجل ، هو الذي ضربه الله للمعتدات من الإقراء ، والأشهر ، ووضع الحمل . وأضاف الأجل إليهم لأنه أمس بهن ؛ ولهذا قيل : الطلاق للرجال والعدة للنساء ، ولا يحمل " بلغن أجلهن " على الحقيقة ؛ لأن الإمساك إذ ذاك ليس له ؛ لأنها ليست بزوجة ؛ إذ قد تقضت عدتها فلا سبيل له عليها .
( فأمسكوهن بمعروف ) ، أي : راجعوهن قبل انقضاء العدة ، وفسر المعروف بالإشهاد على الرجعة ، وقيل : بما يجب لها من حق عليه ، قاله بعض العلماء ، وهو قول عمر ، وعلي ، ، وأبي هريرة ، وابن المسيب ومالك ، ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، ، وأبي ثور ، ويحيى القطان ؛ قالوا : الإمساك بمعروف هو أن ينفق عليها ، فإن لم يجد طلقها ، فإذا لم يفعل خرج عن حد المعروف ، فيطلق عليه الحاكم من أجل الضرر الذي يلحقها بإقامتها عند من لا يقدر على نفقتها ، حتى قال وعبد الرحمن بن مهدي : إن ذلك سنة . وفي ( صحيح ) ابن المسيب : البخاري ، وقال تقول المرأة إما أن تطعمني ، وإما أن تطلقني عطاء ، ، والزهري ، والثوري وأبو حنيفة وأصحابه : لا يفرق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلق النفقة بذمته لحكم الحاكم . والقائلون بالفرقة اختلفوا ، فقال مالك : هي طلقة رجعية ؛ لأنها فرقة بعد البناء لم يستكمل بها العدد ، ولا كانت بعوض ، ولا لضرر بالزوج ؛ فكانت رجعية كضرر المولي ، وقال : هي طلقة بائنة ، وقيل : بالمعروف من غير طلب ضراء بالمراجعة . ( الشافعي أو سرحوهن بمعروف ) ، أي : خلوهن حتى تنقضي عدتها ، وتبين من غير ضرار ، وعبر بالتسريح عن التخلية لأن مآلها إليه ؛ إذ بانقضاء العدة حصلت البينونة . ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) ، هذا كالتوكيد لقوله تعالى : ( فأمسكوهن بمعروف ) ، نهاهم أن لا يكون الإمساك ضرارا ، وحكمة هذا النهي أن الأمر في قوله : ( فأمسكوهن بمعروف ) [ ص: 208 ] يحصل بإمساكها مرة بمعروف ، هذا مدلول الأمر ، ولا يتناول سائر الأوقات ، وجاء النهي ليتناول سائر الأوقات ليعمها ، ولينبه على ما كانوا يفعلونه من الرجعة ، ثم الطلاق ، ثم الرجعة ، ثم الطلاق على سبيل الضرار ؛ فنهى عن هذه الفعلة القبيحة بخصوصها ، تعظيما لهذا المرتكب السيئ الذي هو أعظم إيذاء النساء ، حتى تبقى عدتها في ذوات الأشهر تسعة أشهر . ومعنى " ضرارا " : مضارة ، وهو مصدر ضار ضرارا ومضارة ، وفسر بتطويل العدة ، وسوء العشرة ، وبتضييق النفقة ، وهو أعم من هذا كله ، فكل إمساك لأجل الضرر والعدوان فهو منهي عنه . وانتصب " ضرارا " على أنه مفعول من أجله ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال ، أي : مضارين لتعتدوا ، أي : لتظلموهن ، وقيل : لتلجئوهن إلى الافتداء . واللام : لام كي ، فإن كان ضرارا حالا تعلقت اللام به ، أو بـ ( لا تمسكوهن ) وإن كان مفعولا من أجله تعلقت اللام به ، وكان علة للعلة ، تقول : ضربت ابني تأديبا لينتفع ، ولا يجوز أن يتعلق بـ ( لا تمسكوهن ) ؛ لأن الفعل لا يقضي من المفعول من أجله اثنين إلا بالعطف ، أو على البدل ، ولا يمكن هنا البدل لأجل اختلاف الإعراب ، ومن جعل اللام للعاقبة جوز أن يتعلق بـ ( لا تمسكوهن ) ؛ فيكون الفعل قد تعدى إلى علة وإلى عاقبة ، وهما مختلفان .
قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) ، " ذلك " : إشارة إلى الإمساك على سبيل الضرار والعدوان ، وظلم النفس بتعويضها العذاب ، أو بأن فوت على نفسه منافع الدين من الثواب الحاصل على حسن العشرة ، ومنافع الدنيا من عدم رغبة التزويج به لاشتهاره بهذا الفعل القبيح . ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) ، قال : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : طلقت وأنا لاعب ، ويعتق وينكح ويقول مثل ذلك ؛ فأنزل الله هذه الآية ، فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : ( من أبو الدرداء ) طلق أو حرر أو نكح فزعم أنه لاعب فهو جد . وقال : أي جدوا في الأخذ بها ، والعمل بما فيها ، وارعوها حق رعايتها ، وإلا فقد اتخذتموها هزوا ولعبا ، ويقال لمن لم يجد في الأمر : إنما أنت لاعب وهازئ . انتهى كلامه . وقال معناه جماعة من المفسرين ، وقال الزمخشري ابن عطية : المراد آياته النازلة في الأوامر والنواهي ، وخصها الكلبي بقوله : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، ( ولا تمسكوهن ) . وقال الحسن : نزلت هذه الآية فيمن طلق لاعبا أو هازلا ، أو راجع كذلك ، والذي يظهر أنه تعالى لما أنزل آيات تضمنت الأمر والنهي في النكاح ، وأمر الحيض والإيلاء ، والطلاق والعدة ، والرجعة والخلع ، وترك المعاهدة ، وكانت هذه أحكامها جارية بين الرجل وزوجته ، وفيها إيجاب حقوق للزوجة على الزوج ، وله عليها ، وكان من عادة العرب عدم الاكتراث بأمر النساء والاغتفال بأمر شأنهن ، وكن عندهم أقل من أن يكون لهن أمر أو حق على الزوج ؛ فأنزل الله فيهن ما أنزل من الأحكام ، وحد حدودا لا تتعدى ، وأخبرهم أن من خالف فهو ظالم متعد ، أكد ذلك بالنهي عن اتخاذ آيات الله - التي منها هذه الآيات النازلة في شأن النساء - هزؤا ، بل تؤخذ وتتقبل بجد واجتهاد ؛ لأنها من أحكام الله ، فلا فرق بينها وبين الآيات التي نزلت في سائر التكاليف التي بين العبد وربه ، وبين العبد والناس . وانتصب " هزؤا " على أنه مفعول ثان لـ " تتخذوا " ، وتقول : هزأ به هزؤا استخف . وقرأ حمزة : " هزأ " بإسكان الزاي ، وإذا وقف سهل الهمزة على مذهبه في تسهيل الهمز ، وذكروا في كيفية تسهيله عنده فيه وجوها تذكر في علم القراءات ، وهو من تخفيف فعل ، كعنق ، وقد تقدم الكلام في ذلك . قال عيسى بن عمر : كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وثانيه ففيه لغتان : التخفيف والتثقيل . وقرأ " هزوا " بضم الزاي وإبدال من الهمزة واوا ، وذلك لأجل الضم . وقرأ الجمهور : " هزؤا " بضمتين ، والهمز قيل : وهو الأصل ، وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله تعالى : ( أتتخذنا هزوا ) .