حين قال الناس في مجلسهم أقتار ذاك أم ريح قطر ؟
والقتر : بيوت الصيادين على الماء ، قال الشاعر :
رب رام من بني ثعل مثلج كفيه في قتره
النصف : هو الجزء من اثنين على السواء ، ويقال : بكسر النون وضمها ونصيف ، ومنه : ( ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) ، أي : نصفه ، كما يقال : ثمن وثمين ، وعشر وعشير ، وسدس وسديس ، ومنه قيل : النصف المقنعة التي توضع على رأس المرأة : نصيف ، وكل شيء بلغ نصف غيره فهو نصف ، يقال : نصف النهار ينصف ، ونصف الماء القدح ، والإزار الساق ، والغلام القرآن ، وحكى الفراء في جميع هذا : أنصف . المحافظة على الشيء : المواظبة عليه ، وهو من الحفظ ، حفظ المكان : حرسه ، وحفظ القرآن : تذكره غائبا ، وهو راجع لمعنى الحراسة ، وحفظ فلان : غضب ، وأحفظه : أغضبه ، ومصدر " حفظ " بمعنى غضب : الحفيظة والحفظ . الركوب : معروف ، وركبان : جمع راكب ، وهو صفة استعملت استعمال الأسماء ، فحسن أن يجمع جمع الأسماء ، ومع ذلك فهو في الأسماء محفوظ قليل ، قالوا : حاجر وحجران ، ومثل ركبان : صحبان ورعيان ، جمع صاحب وراع ، فإن لم تستعمل الصفة استعمال الأسماء لم يجئ فيها فعلان ، لم يرد مثل : ضربان وقتلان ، في جمع ضارب وقاتل . ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ، مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدم ذكر عدة طلاق الحيض ، [ ص: 222 ] واتصلت الأحكام إلى ذكر الرضاع ، وكان في ضمنها قوله : ( وعلى الوارث مثل ذلك ) ، أي : وارث المولود له ، ذكر عدة الوفاة ؛ إذ كانت مخالفة لعدة طلاق الحيض . وقرأ الجمهور : " يتوفون " بضم الياء مبنيا للمفعول ، وقرأ علي ، والمفضل عن عاصم بفتح الياء مبنيا للفاعل ، ومعنى هذه القراءة : أنهم يستوفون آجالهم . وإعراب " الذين " : مبتدأ ، واختلف أله خبر أم لا ؟ فذهب الكسائي والفراء إلى أنه لا خبر له ، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن بـ " الذين " ؛ لأن الحديث معهن في الاعتداد بالأشهر ؛ فجاء الخبر عما هو المقصود ، والمعنى : من مات عنها زوجها تربصت ، وأنشد الفراء - رحمه الله :
لعلي إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبي ذيان أن يتندما
فقال : لعلي ، ثم قال : أن يتندما ؛ لأن المعنى : لعل ابن أبي ذيان إن مالت بي الريح ميلة أن يتندما . وقال الشاعر :
بني أسد إن ابن قيس وقتله بغير دم دار المذلة حلت
ألغى ابن قيس ، وقد ابتدأ بذكره وأخبر عن قتله أنه ذل . وتحرير مذهب الفراء أن العرب إذا ذكرت أسماء مضافة إليها ، فيها معنى الخبر ، أنها تترك الإخبار عن الاسم الأول ويكون الخبر عن المضاف ، مثاله : إن زيدا وأخته منطلقة ؛ لأن المعنى : إن أخت زيد منطلقة ، والبيت الأول ليس من هذا الضرب ، وإنما أوردوا مما يشبه هذا الضرب قول الشاعر :
فمن يك سائلا عني فإني وجروة لا ترود ولا تعار
والرد على الفراء ، وتأويل الأبيات والآية ؛ مذكور في النحو . وذهب الجمهور إلى أن له خبرا ، واختلفوا ، فقيل : هو ملفوظ به ، وهو : يتربصن ، ولا حذف يصحح معنى الخبر ؛ لأنه ربط من جهة المعنى ؛ لأن النون في " يتربصن " عائد ، فقيل : على الأزواج الذين يتوفون ، فلو صرح بذلك فقيل : يتربصن أزواجهم - لم يحتج إلى حذف ، وكان إخبارا صحيحا ، فكذلك ما هو بمعناه ، وهو قول الزجاج . وقيل : ثم حذف يصحح معنى الخبرية ، واختلفوا في محل الحذف ، فقيل : من المبتدأ ، والتقدير : وأزواج الذين ؛ ودل على المحذوف قوله : ( ويذرون أزواجا ) . وقيل : من الخبر ، وتقديره : يتربصن بعدهم ، أو بعد موتهم ، قاله الأخفش . وقيل : من الخبر ، وهو أن يكون الخبر جملة من مبتدأ محذوف وخبره " يتربصن " ، تقديره : أزواجهم يتربصن ، ودل عليه المظهر ، قاله المبرد . وقيل : الخبر بجملته محذوف مقدر قبل المبتدأ ، تقديره : فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا . وقوله : ( يتربصن بأنفسهن ) بيان للحكم المتلو ، وهي جملة لا موضع لها من الإعراب ، قالوا : وهذا قول سيبويه . قال ابن عطية : إنما يتجه ذلك إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد ، مثل قوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه ؛ فيحتاج في هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر ، وحسن مجيء الآية هكذا أنها توطئة لقوله : ( فلا جناح عليكم ) ؛ إذ القصد بالمخاطبة من أول الآية إلى آخرها للرجال الذين منهم الحكام والنظار ، عبارة الأخفش والمبرد ما ذكرناه . انتهى كلامه . وظاهرة قوله " يتربصن " العموم في كل امرأة توفي عنها زوجها ، فيدخل فيه الأمة والكتابية والصغيرة . وروي عن أبي حنيفة أن عدة الكتابية ثلاث حيض إذا توفي عنها زوجها ، وروي عنه أن عليها عدة ، فإن لم يدخل فلا عدة قولا واحدا ، ويتخرج على هذين القولين الإحداد ، وتخصيص الحامل قيل بقوله : ( وأولات الأحمال أجلهن ) الآية ، ولم يخصص الشافعي هنا العموم في حق الحامل إلا بالسنة لا بهذه الآية ؛ لأنها وردت عقيب ذكر المطلقات ، فيحتمل أن يقال : هي في المطلقة لا في المتوفى عنها زوجها ، ولأن كل واحدة من الآيتين أعم من الأخرى [ ص: 223 ] من وجه ، وأخص منها من وجه ؛ لأن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا يتوفى ، والتي توفي عنها زوجها قد تكون حاملا وقد لا تكون ؛ فامتنع التخصيص . وقيل : الآية تتناول أولا الحوامل ، ثم نسخ بقوله : ( وأولات الأحمال ) ، وعدة الحامل وضع حملها عند الجمهور . وروي عن علي ، وابن عباس ، وغيرهما : أن تمام عدتها آخر الأجلين ، واختاره سحنون ، وروي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك . ومعنى : ( يتربصن بأنفسهن ) أي : ينتظرن ، قيل : والتربص هنا الصبر عن النكاح ، قاله الحسن ، قال : وليس الإحداد بشيء ، ولها أن تتزين وتتطيب . وضعف قوله . وقيل : ترك التزوج ولزوم البيت والإحداد ، وهو أن تمتنع من الزينة ، ومن لبس المصبوغ الجميل مثل الحمرة والصفرة والخضرة ، والطيب ، وما يجري مجرى ذلك ، وهذا قول الجمهور . وليس في الآية نص على الإحداد ، بل التربص مجمل بينته السنة ؛ ثبت في حديث الفريعة قوله - صلى الله عليه وسلم : ( امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ) ، وكانت متوفى عنها زوجها ، قالت : فاعتددت أربعة أشهر وعشرا . وصح أنه قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ؛ فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ، وتلزم المبيت في بيتها ) ، وهذا قول الجمهور . وقال ابن عباس ، وأبو حنيفة ، وغيرهما : تبيت حيث شاءت ، وروي ذلك عن علي ، وجابر ، وعائشة ، وبه قال عطاء ، وجابر بن زيد ، والحسن ، وداود . قال ابن عباس : قال تعالى : ( يتربصن بأنفسهن ) ولم يقل : يعتددن في بيوتهن ، ولتعتد حيث شاءت أربعة أشهر وعشرا ، قالوا : معناه وعشر ليال ؛ ولذلك حذف التاء ، وهي قراءة ابن عباس . والمراد عشر ليال بأيامها ، فيدخل اليوم العاشر ، قيل : وغلب حكم الليالي ؛ إذ الليالي أسبق من الأيام ، والأيام في ضمنها ، وعشر أخف في اللفظ ، ولا تنقضي عدتها إلا بانقضاء اليوم العاشر ، هذا قول الجمهور . وقال الأوزاعي ، وأبو بكر الأحم : ليس اليوم العاشر من العدة ، بل تنقضي بتمام عشر ليال . وقال المبرد : معناه وعشر مدد كل مدة منها يوم وليلة ، تقول العرب : سرنا خمسا ، أي : بين يوم وليلة ، قال الشاعر :
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا
وقال الزمخشري : وقيل عشر إذهابا إلى الليالي ، والأيام داخلة معها ، ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام ، تقول : صمت عشرا ، ولو ذكرت خرجت من كلامهم ، ومن البين فيه : ( إن لبثتم إلا عشرا ) ، ( إن لبثتم إلا يوما ) . انتهى كلامه . ولا يحتاج إلى تأويل " عشر " بأنها ليال لأجل حذف التاء ، ولا إلى تأويلها بمدد ، كما ذهب إليه المبرد ، بل الذي نقل أصحابنا أنه : إذا كان المعدود مذكرا وحذفته ، فلك فيه وجهان : أحدهما ، وهو الأصل : أن يبقى العدد على ما كان عليه لو لم يحذف المعدود ؛ فتقول : صمت خمسة ، تريد : خمسة أيام ، قالوا : وهو الفصيح ، قالوا : ويجوز أن تحذف منه كله تاء التأنيث ، وحكى الكسائي عن أبي الجراح : صمنا من الشهر خمسا ، ومعلوم أن الذي يصام من الشهر إنما هي الأيام ، واليوم مذكر ، وكذلك قوله :
وإلا فسيري مثل ما سار راكب يتمم خمسا ليس في سيره أمم
[ ص: 224 ] يريد خمسة أيام ، وعلى ذلك ما جاء في الحديث ، ثم أتبعه بست من شوال ، وإذا تقرر هذا فجاء قوله : عشرا على أحد الجائزين ، وحسنه هنا أنه مقطع كلام ، فهو شبيه بالفواصل ، كما حسن قوله : ( إن لبثتم إلا عشرا ) كونه فاصلة ، فلذلك اختير مجيء هذا على أحد الجائزين ، فقوله : ولو ذكرت لخرجت عن كلامهم ، ليس كما ذكر ، بل لو ذكر لكان أتى على الكثير الذي نصوا عليه أنه الفصيح ؛ إذ حاله عندهم محذوفا كحاله مثبتا في الفصيح ، وجوزوا الذي ذكره الزمخشري على أن غيره أكثر منه ، وقوله : ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ، كما ذكر ؛ بل استعمال التذكير هو الكثير الفصيح فيه كما ذكرنا . وقوله : ومن البين فيه ( إن لبثتم إلا عشرا ) قد بينا مجيء هذا على الجائز فيه ، وأن محسن ذلك إنما هو كونه فاصلة ، وقوله : ( إن لبثتم إلا يوما ) فائدة ذكر الزمخشري هذا أنه على زعمه أراد الليالي ، والأيام داخلة معها ؛ فأتى بقوله : " إلا يوما " للدلالة على ذلك ، وهذا عندنا يدل على أن قوله : " عشرا " إنما يريد بها الأيام ؛ لأنهم اختلفوا في مدة اللبث ، فقال قوم : عشر ، وقال أمثلهم طريقة : يوم ، فقوله : " إلا يوما " مقابل لقولهم : " إلا عشرا " ، ويبين أنه أريد بالعشر الأيام ؛ إذ ليس من التقابل أن يقول بعضهم : عشر ليال ، ويقول بعض : يوما . وظاهر قوله " أربعة أشهر " ما يقع عليه اسم الشهر ، فلو وجبت العدة مع رؤية الهلال لاعتدت بالأهلة ، كان الشهر تاما أو ناقصا . وإن وجبت في بعض شهر ، فقيل : تستوفي مائة وثلاثين يوما ، وقيل : تعتد بما يمر عليها من الأهلة شهورا ، ثم تكمل الأيام الأول ، وكلا القولين عن أبي حنيفة . ولما كان الغالب على من مات عنها زوجها أن تعلم ذلك ، فتعتد إثر الوفاة ؛ جاء الفعل مسندا إليهن ، وأكد بقوله : " بأنفسهن " ، فلو مضت عليها مدة العدة من حين الوفاة ، وقامت على ذلك البينة ، ولم تكن علمت بوفاته إلى أن انقضت العدة ، فالذي عليه الجمهور أن عدتها من يوم الوفاة ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وجابر ، وعطاء ، والأسود بن يزيد ، وفقهاء الأمصار . وقال علي ، والحسن البصري ، وخلاس بن عمرو ، وربيعة : من يوم يأتيها الخبر . وكأنهم جعلوا في إسناد التربص إليهن تأثيرا في العدة . وروي عن سعيد بن المسيب ، والشافعي أنهما قالا : إذا قامت البينة فالعدة من يوم يموت ، وإن لم تقم بينة فمن يوم يأتيها الخبر . وروي عن الشافعي مثل قول الجمهور ، وأجمعوا على أن المعتدة ، لو كانت حاملا لا تعلم بوفاة الزوج حتى وضعت الحمل ؛ أن عدتها منقضية ، ولم تتعرض الآية في المتوفى عنها زوجها إلا لأن تتربص تلك المدة ؛ فلا نفقة لها في مدة العدة من رأس المال ، ولو كانت حاملا ، قاله جابر ، وابن عباس ، وابن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وعكرمة ، وعبد الملك بن يعلى ، ويحيى الأنصاري ، وربيعة ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وروي عن أبي حنيفة . وقيل : لها النفقة من جميع المال ، وروي ذلك عن علي ، وعبد الله بن عمر ، وشريح ، وابن سيرين ، والشعبي ، وأبي العالية ، والنخعي ، وخلاس بن عمرو ، وحماد بن أبي سليمان ، وأيوب السختياني ، والثوري ، وأبي عبيد . وظاهر قوله : ( يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) أنه إذا تربصت هذه المدة ليس عليها أكثر من ذلك ، وإن كانت ممن تحيض فلم تحض فيها ، وقيل : لا تبرأ إلا بحيضة تأتي بها في المدة ، وإلا فهي مستريبة ؛ فتمكث حتى تزول ريبتها . وأجمع الفقهاء على أن هذه الآية ناسخة لما بعدها من الاعتداد بالحول ، وهذا من غرائب النسخ ؛ فإن الحكم الثاني ينسخ الأول ، وقيل : إن الحول لم ينسخ ، وإنما هو ليس على وجه الوجوب ، بل هو على الندب ، فأربعة أشهر وعشرا أقل ما تعتد به المتوفى عنها زوجها ، والحول هو الأكمل والأفضل . وقال قوم : ليس في هذا نسخ ، وإنما هو نقصان من الحول ، كصلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى الاثنين لم يكن ذلك نسخا ، بل كان تخفيفا . قالوا : واختص هذا العدد في عدة المتوفى عنها زوجها استبراء للحمل ؛ فقد روى ابن مسعود عن النبي - [ ص: 225 ] صلى الله عليه وسلم - قال : ( يكون خلق أحدكم نطفة أربعين يوما ، ثم علقة أربعين يوما ، ثم مضغة أربعين يوما ، ثم ينفخ فيه الروح أربعة أشهر ، وزاد الله العشر لأنها مظنة لظهور حركة الجنين ، أو مراعاة لنقص الشهور وكمالها ، أو استظهارا لسرعة ظهور الحركة أو إبطائها في الجنين ) . قال أبو العالية وغيره : إنما زيدت العشر لأن نفخ الروح يكون فيها ، وظهور الحمل في الغالب . وقال الأصمعي : ولد كل عامل يركض في نصف حمله . وقال الراغب : ذكر الأطباء أن الولد - في الأكثر - إذا كان ذكرا يتحرك بعد ثلاثة أشهر ، وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر ، وزيد على ذلك عشرا استظهارا . قال : وخصت العشرة بالزيادة لكونها أكمل الأعداد وأشرفها لما تقدم في : ( تلك عشرة كاملة ) . قال القشيري : لما كان حق الميت أعظم ؛ لأن فراقه لم يكن بالاختيار - كانت مدة وفاته أطول ، وفي ابتداء الإسلام كانت عدة الوفاة سنة ، ثم ردت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام لتخفيف براءة الرحم عن ماء الزوج ، ثم إذا انقضت العدة أبيح لها التزوج بزوج آخر ؛ إذ الموت لا يستديم موافاة إلى آخر عمر أحد ، كما قيل :
وكما تبلى وجوه في الثرى فكذا يبلى عليهن الحزن
( فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) ، بلوغ أجلهن : هو انقضاء المدة المضروبة في التربص ، والمخاطبون بـ " عليكم " : الأولياء ، أو الأئمة والحكام والعلماء ؛ إذ هم الذين يرجع إليهم في الوقائع ، أو عامة المؤمنين ، أقوال . ورفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهن لأنهم هم الذين ينكرون عليهن ، ويأخذونهن بأحكام العدد ، أو لأنهم إذ ذاك يسوغ لهم نكاحهن ؛ إذ كان ذلك في العدة حراما ، فزال الجناح بعد انقضاء العدة . والذي فعلن بأنفسهن : النكاح الحلال ، قاله مجاهد ، وابن شهاب . أو : الطيب ، والتزين ، والنقلة من مسكن إلى مسكن ، قاله أبو جعفر الطبري . ومعنى " بالمعروف " أي : بالإشهاد ، وقيل : ما أذن فيه الشرع مما يتوقف النكاح عليه . وقال الزمخشري : ( فيما فعلن في أنفسهن ) من التعرض للخطاب بالمعروف بالوجه الذي لا ينكره الشرع ، والمعنى : أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمة أن يكفوهن ، وإن فرطوا كان عليهم الجناح . انتهى كلامه . وهو حسن . ( والله بما تعملون خبير ) : وعيد يتضمن التحذير ، وخبير : للمبالغة ، وهو العلم بما لطف والتقصي له .


