( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ    ) قرأ الجمهور ( وأوحي ) مبنيا للمفعول ، ( والقرآن ) مرفوع به . وقرأ عكرمة  وأبو نهيك  وابن السميقع  والجحدري    ( وأوحى ) مبنيا للفاعل ، والقرآن منصوب به ، والمعنى لأنذركم ولأبشركم ، فحذف المعطوف لدلالة المعنى عليه ، أو اقتصر على الإنذار; لأنه في مقام تخويف لهؤلاء المكذبين بالرسالة ، المتخذين غير الله إلها . والظاهر ، وهو قول الجمهور ، أن ( من ) في موضع نصب عطفا على مفعول ( لأنذركم ) ، والعائد على ( من ) ضمير منصوب محذوف ، وفاعل ( بلغ ) ضمير يعود على القرآن; ومن بلغه هو أي ( القرآن ) والخطاب في ( لأنذركم به    ) لأهل مكة    . وقال مقاتل    : ومن بلغه من العرب والعجم . وقيل : من الثقلين . وقيل : من بلغه إلى يوم القيامة . وعن  سعيد بن جبير    : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا    - صلى الله عليه وسلم   - . وفي الحديث :   " من بلغه هذا القرآن فأنا نذيره   . وقالت فرقة : الفاعل بـ ( بلغ ) عائد على ( من ) لا على ( القرآن ) والمفعول محذوف ، والتقدير ومن بلغ الحلم ، ويحتمل أن يكون ( من ) في موضع رفع عطفا على الضمير المستكن في ( لأنذركم به    ) وجاز ذلك للفصل بينه وبين الضمير بضمير المفعول ، وبالجار والمجرور; أي ولينذر به من بلغه القرآن . 
( أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى    ) قرئ ( أئنكم لتشهدون    ) بصورة الإيجاب ، فاحتمل أن يكون خبرا محضا ، واحتمل   [ ص: 92 ] الاستفهام على تقدير حذف أداته ، ويبين ذلك قراءة الاستفهام ، فقرئ بهمزتين محققتين ، وبإدخال ألف بينهما ، وبتسهيل الثانية ، وبإدخال ألف بين الهمزة الأولى والهمزة المسهلة ، روى هذه القراءة الأخيرة  الأصمعي  عن أبي عمرو  ونافع  ، وهذا الاستفهام معناه التقريع لهم والتوبيخ ، والإنكار عليهم ، فإن كان الخطاب لأهل مكة  ، فالآلهة الأصنام ، فإنهم أصحاب أوثان ، وإن كان لجميع المشركين ، فالآلهة كل ما عبد غير الله تعالى من وثن أو كوكب أو نار أو آدمي ، وأخرى صفة لآلهة ، وصفة جمع ما لا يعقل كصفة الواحدة المؤنثة ، كقوله : ( مآرب أخرى والأسماء الحسنى ) ، ولما كانت الآلهة حجارة وخشبا ، أجريت هذا المجرى . 
( قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون     ) أمره تعالى أن يخبرهم أنه لا يشهد شهادتهم ، وأمره ثانيا أن يفرد الله تعالى بالإلهية ، وأن يتبرأ من إشراكهم وما أبدع هذا الترتيب أمر أولا بأن يخبرهم بأنه لا يوافقهم في الشهادة ، ولا يلزم من ذلك إفراد الله بالألوهية ، فأمر به ثانيا ليجتمع مع انتفاء موافقتهم إثبات الوحدانية لله تعالى ، ثم أخبر ثالثا بالتبرؤ من إشراكهم ، وهو كالتوكيد لما قبله ، ويحتمل أن لا يكون ذلك داخلا تحت القول ، ويحتمل ، وهو الظاهر ، أن يكون داخلا تحته ، فأمر بأن يقول الجملتين ، فظاهر الآية يقتضي أنها في عبدة الأصنام . وذكر  الطبري  أنها نزلت في قوم من اليهود    . وأسند إلى  ابن عباس  قال : جاء النحام بن زيد  وقردم بن كعب  ومجزئ بن عمرو  فقالوا : يا محمد  ما تعلم مع الله إلها غيره ، فقال : لا إله إلا الله ، بذلك أمرت ، فنزلت الآية فيهم   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					