ثم إن العلو المطلوب في رواية الحديث على أقسام خمسة :
أولها :
nindex.php?page=treesubj&link=29152القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناد نظيف غير ضعيف ، وذلك من أجل أنواع العلو ، وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16899محمد بن أسلم الطوسي [ ص: 257 ] الزاهد العالم رضي الله عنه أنه قال : " قرب الإسناد قرب أو قربة إلى الله عز وجل " .
وهذا كما قال ; لأن قرب الإسناد قرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والقرب إليه قرب إلى الله عز وجل .
الثاني : وهو الذي ذكره الحاكم
أبو عبد الله الحافظ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29153القرب من إمام من أئمة الحديث ، وإن كثر العدد من ذلك الإمام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا وجد ذلك في إسناد وصف بالعلو ، نظرا إلى قربه من ذلك الإمام وإن لم يكن عاليا بالنسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وكلام
الحاكم يوهم أن القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعد من العلو المطلوب أصلا .
وهذا غلط من قائله ; لأن القرب منه - صلى الله عليه وسلم - بإسناد نظيف غير ضعيف أولى بذلك .
ولا ينازع في هذا من له مسكة من معرفة ، وكأن
الحاكم أراد بكلامه ذلك إثبات العلو للإسناد بقربه من إمام ، وإن لم يكن قريبا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والإنكار على من يراعي في
[ ص: 258 ] ذلك مجرد قرب الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان إسنادا ضعيفا ، ولهذا مثل ذلك بحديث
أبي هدبة ،
ودينار ،
والأشج ، وأشباههم ، والله أعلم .
الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=29154العلو بالنسبة إلى رواية الصحيحين ، أو أحدهما ، أو غيرهما من الكتب المعروفة المعتمدة ، وذلك ما اشتهر آخرا من الموافقات ، والأبدال ، والمساواة ، والمصافحة ، وقد كثر اعتناء المحدثين المتأخرين بهذا النوع ، وممن وجدت هذا النوع في كلامه
أبو بكر الخطيب الحافظ وبعض شيوخه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13484وأبو نصر بن ماكولا ،
nindex.php?page=showalam&ids=14172وأبو عبد الله الحميدي ، وغيرهم من طبقتهم ، وممن جاء بعدهم ، ( والله أعلم ) .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=29155الموافقة : فهي أن يقع لك الحديث عن شيخ
مسلم فيه - مثلا - عاليا ، بعدد أقل من العدد الذي يقع لك به ذلك الحديث عن ذلك الشيخ إذا رويته عن
مسلم عنه .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29156البدل : فمثل أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ
مسلم ،
[ ص: 259 ] هو مثل شيخ
مسلم في ذلك الحديث .
وقد يرد البدل إلى الموافقة ، فيقال فيما ذكرناه إنه موافقة عالية في شيخ شيخ
مسلم ، ولو لم يكن ذلك عاليا فهو أيضا موافقة ، وبدل ، لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة ، والبدل لعدم الالتفات إليه .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29157المساواة : فهي - في أعصارنا - أن يقل العدد في إسنادك لا إلى شيخ
مسلم ، وأمثاله ، ولا إلى شيخ شيخه ، بل إلى من هو أبعد من ذلك كالصحابي ، أو من قاربه ، وربما كان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث يقع بينك وبين الصحابي - مثلا - من العدد مثل ما وقع من العدد بين
مسلم ، وبين ذلك الصحابي ، فتكون بذلك مساويا
لمسلم مثلا في قرب الإسناد وعدد رجاله .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29158المصافحة : فهي أن تقع هذه المساواة التي وصفناها لشيخك لا لك ، فيقع ذلك لك مصافحة ، إذ تكون كأنك لقيت
مسلما في ذلك الحديث وصافحته به لكونك قد لقيت شيخك المساوي
لمسلم .
فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك ، فتقول : كأن شيخي سمع
مسلما وصافحه .
وإن كانت المساواة لشيخ شيخ شيخك ، فالمصافحة لشيخ شيخك ، فتقول فيها : كأن شيخ شيخي سمع
مسلما ، وصافحه . ولك أن لا تذكر لك في ذلك نسبة ، بل تقول : كأن فلانا سمعه من
مسلم ، من غير أن تقول فيه ( شيخي ) ، أو ( شيخ شيخي ) .
ثم لا يخفى على المتأمل : أن في المساواة ، والمصافحة الواقعتين لك
[ ص: 260 ] لا يلتقي إسنادك ، وإسناد
مسلم - أو نحوه - إلا بعيدا عن شيخ
مسلم ، فيلتقيان في الصحابي ، أو قريبا منه ، فإن كانت المصافحة التي تذكرها ليست لك ، بل لمن فوقك من رجال إسنادك ، أمكن التقاء الإسنادين فيها في شيخ
مسلم ، أو أشباهه ، وداخلت المصافحة حينئذ الموافقة ، فإن معنى الموافقة راجع إلى مساواة ومصافحة مخصوصة ، إذ حاصلها : أن بعض من تقدم من رواة إسنادك العالي ساوى أو صافح
مسلما ، أو
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، لكونه سمع ممن سمع من شيخهما ، مع تأخر طبقته عن طبقتهما .
ويوجد في كثير من العوالي المخرجة لمن تكلم أولا في هذا النوع ، وطبقتهم المصافحات مع الموافقات ، والأبدال لما ذكرناه .
ثم اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول ، إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعل أنت في إسنادك .
وكنت قد قرأت
بمرو على شيخنا المكثر
nindex.php?page=showalam&ids=14524أبي المظفر عبد الرحيم بن الحافظ المصنف
nindex.php?page=showalam&ids=14523أبي سعد السمعاني رحمهما الله ، في أربعي
nindex.php?page=showalam&ids=12842أبي البركات الفراوي حديثا ادعى فيه أنه كأنه سمعه هو أو شيخه من
البخاري ، فقال الشيخ
أبو المظفر : " ليس لك بعال ، ولكنه
للبخاري نازل " . وهذا حسن لطيف ، يخدش وجه هذا النوع من العلو ، والله أعلم .
[ ص: 261 ] الرابع : من أنواع العلو :
nindex.php?page=treesubj&link=29159العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي : مثاله ما أرويه عن شيخ ، أخبرني به عن واحد ، عن
البيهقي الحافظ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبي عبد الله الحافظ أعلى من روايتي لذلك عن شيخ ، أخبرني به عن واحد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13123أبي بكر بن خلف ، عن
الحاكم ، وإن تساوى الإسنادان في العدد ، لتقدم وفاة
البيهقي على وفاة
ابن خلف ; لأن
البيهقي مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، ومات
ابن خلف سنة سبع وثمانين وأربعمائة .
روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14251أبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ رحمه الله ، قال : " قد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه ، وإن كانا متساويين في العدد " . ومثل ذلك من حديث نفسه بمثل ما ذكرناه .
ثم إن هذا كلام في العلو المنبني على تقدم الوفاة ، المستفاد من نسبة شيخ إلى شيخ ، وقياس راو براو .
أما العلو المستفاد من مجرد تقدم وفاة شيخك من غير نظر إلى قياسه براو آخر ، فقد حده بعض أهل هذا الشأن بخمسين سنة .
[ ص: 262 ] وذلك ما رويناه عن
أبي علي الحافظ النيسابوري قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13047أحمد بن عمير الدمشقي - وكان من أركان الحديث - يقول : إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو ، وفيما نروي عن
أبي عبد الله بن منده الحافظ ، قال : " إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة فهو عال " . وهذا أوسع من الأول ، والله أعلم .
الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=29160العلو المستفاد من تقدم السماع .
أنبئنا عن
محمد بن ناصر الحافظ ، عن
محمد بن طاهر الحافظ ، قال : " من العلو تقدم السماع " .
قلت : وكثير من هذا يدخل في النوع المذكور قبله ، وفيه ما لا يدخل في ذلك ، بل يمتاز عنه . مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد ، وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا ، وسماع الآخر من أربعين سنة . فإذا تساوى السند إليهما في العدد ، فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى .
فهذه أنواع العلو على الاستقصاء والإيضاح الشافي ، ولله سبحانه وتعالى الحمد كله .
[ ص: 263 ] وأما ما رويناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14508الحافظ أبي الطاهر السلفي - رحمه الله - من قوله في أبيات له :
بل علو الحديث بين أولي الحفـ ـظ والإتقان صحة الإسناد
وما رويناه عن
الوزير نظام الملك من قوله : " عندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن بلغت رواته مائة " ، فهذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث ، وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب ، والله أعلم .
ثُمَّ إِنَّ الْعُلُوَّ الْمَطْلُوبَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَقْسَامٍ خَمْسَةٍ :
أَوَّلُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29152الْقُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ ، وَذَلِكَ مِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16899مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ [ ص: 257 ] الزَّاهِدِ الْعَالِمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " قُرْبُ الْإِسْنَادِ قُرْبٌ أَوْ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
وَهَذَا كَمَا قَالَ ; لِأَنَّ قُرْبَ الْإِسْنَادِ قُرْبٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْقُرْبُ إِلَيْهِ قُرْبٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
الثَّانِي : وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29153الْقُرْبُ مِنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، وَإِنْ كَثُرَ الْعَدَدُ مِنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي إِسْنَادٍ وُصِفَ بِالْعُلُوِّ ، نَظَرًا إِلَى قُرْبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِيًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَكَلَامُ
الْحَاكِمِ يُوهِمُ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَدُّ مِنَ الْعُلُوِّ الْمَطْلُوبِ أَصْلًا .
وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ ; لِأَنَّ الْقُرْبَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ أَوْلَى بِذَلِكَ .
وَلَا يُنَازِعُ فِي هَذَا مَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ مَعْرِفَةٍ ، وَكَأَنَّ
الْحَاكِمَ أَرَادَ بِكَلَامِهِ ذَلِكَ إِثْبَاتَ الْعُلُوِّ لِلْإِسْنَادِ بِقُرْبِهِ مِنْ إِمَامٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يُرَاعِي فِي
[ ص: 258 ] ذَلِكَ مُجَرَّدَ قُرْبِ الْإِسْنَادِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ إِسْنَادًا ضَعِيفًا ، وَلِهَذَا مَثَّلَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ
أَبِي هُدْبَةَ ،
وَدِينَارٍ ،
وَالْأَشَجِّ ، وَأَشْبَاهِهِمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29154الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ ، أَوْ أَحَدِهِمَا ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ الْمُعْتَمَدَةِ ، وَذَلِكَ مَا اشْتُهِرَ آخِرًا مِنَ الْمُوَافَقَاتِ ، وَالْأَبْدَالِ ، وَالْمُسَاوَاةِ ، وَالْمُصَافَحَةِ ، وَقَدْ كَثُرَ اعْتِنَاءُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَذَا النَّوْعِ ، وَمِمَّنْ وَجَدْتُ هَذَا النَّوْعَ فِي كَلَامِهِ
أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ وَبَعْضُ شُيُوخِهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13484وَأَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا ،
nindex.php?page=showalam&ids=14172وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَبَقَتِهِمْ ، وَمِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ، ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ ) .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29155الْمُوَافَقَةُ : فَهِيَ أَنْ يَقَعَ لَكَ الْحَدِيثُ عَنْ شَيْخِ
مُسْلِمٍ فِيهِ - مَثَلًا - عَالِيًا ، بِعَدَدٍ أَقَلَّ مِنَ الْعَدَدِ الَّذِي يَقَعُ لَكَ بِهِ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ إِذَا رَوَيْتَهُ عَنْ
مُسْلِمٍ عَنْهُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29156الْبَدَلُ : فَمِثْلُ أَنْ يَقَعَ لَكَ هَذَا الْعُلُوُّ عَنْ شَيْخٍ غَيْرِ شَيْخِ
مُسْلِمٍ ،
[ ص: 259 ] هُوَ مِثْلُ شَيْخِ
مُسْلِمٍ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ .
وَقَدْ يُرَدُّ الْبَدَلُ إِلَى الْمُوَافَقَةِ ، فَيُقَالُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إِنَّهُ مُوَافَقَةٌ عَالِيَةٌ فِي شَيْخِ شَيْخِ
مُسْلِمٍ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَالِيًا فَهُوَ أَيْضًا مُوَافَقَةٌ ، وَبَدَلٌ ، لَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُوَافَقَةِ ، وَالْبَدَلِ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29157الْمُسَاوَاةُ : فَهِيَ - فِي أَعْصَارِنَا - أَنْ يَقِلَّ الْعَدَدُ فِي إِسْنَادِكَ لَا إِلَى شَيْخِ
مُسْلِمٍ ، وَأَمْثَالِهِ ، وَلَا إِلَى شَيْخِ شَيْخِهِ ، بَلْ إِلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ كَالصَّحَابِيِّ ، أَوْ مَنْ قَارَبَهُ ، وَرُبَّمَا كَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَيْثُ يَقَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الصَّحَابِيِّ - مَثَلًا - مِنَ الْعَدَدِ مِثْلُ مَا وَقَعَ مِنَ الْعَدَدِ بَيْنَ
مُسْلِمٍ ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ ، فَتَكُونُ بِذَلِكَ مُسَاوِيًا
لِمُسْلِمٍ مَثَلًا فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ وَعَدَدِ رِجَالِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29158الْمُصَافَحَةُ : فَهِيَ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الْمُسَاوَاةُ الَّتِي وَصَفْنَاهَا لِشَيْخِكَ لَا لَكَ ، فَيَقَعُ ذَلِكَ لَكَ مُصَافَحَةً ، إِذْ تَكُونُ كَأَنَّكَ لَقِيتَ
مُسْلِمًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَصَافَحْتَهُ بِهِ لِكَوْنِكَ قَدْ لَقِيتَ شَيْخَكَ الْمُسَاوِيَ
لِمُسْلِمٍ .
فَإِنْ كَانَتِ الْمُسَاوَاةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ كَانْتِ الْمُصَافَحَةُ لِشَيْخِكَ ، فَتَقُولُ : كَأَنَّ شَيْخِي سَمِعَ
مُسْلِمًا وَصَافَحَهُ .
وَإِنْ كَانَتِ الْمُسَاوَاةُ لِشَيْخِ شَيْخِ شَيْخِكَ ، فَالْمُصَافَحَةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ ، فَتَقُولُ فِيهَا : كَأَنَّ شَيْخَ شَيْخِي سَمِعَ
مُسْلِمًا ، وَصَافَحَهُ . وَلَكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ لَكَ فِي ذَلِكَ نِسْبَةً ، بَلْ تَقُولُ : كَأَنَّ فُلَانًا سَمِعَهُ مِنْ
مُسْلِمٍ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُولَ فِيهِ ( شَيْخِي ) ، أَوْ ( شَيْخَ شَيْخِي ) .
ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ : أَنَّ فِي الْمُسَاوَاةِ ، وَالْمُصَافَحَةِ الْوَاقِعَتَيْنِ لَكَ
[ ص: 260 ] لَا يَلْتَقِي إِسْنَادُكَ ، وَإِسْنَادُ
مُسْلِمٍ - أَوْ نَحْوُهُ - إِلَّا بَعِيدًا عَنْ شَيْخِ
مُسْلِمٍ ، فَيَلْتَقِيَانِ فِي الصَّحَابِيِّ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُصَافَحَةُ الَّتِي تَذْكُرُهَا لَيْسَتْ لَكَ ، بَلْ لِمَنْ فَوْقَكَ مِنْ رِجَالِ إِسْنَادِكَ ، أَمْكَنَ الْتِقَاءُ الْإِسْنَادَيْنِ فِيهَا فِي شَيْخِ
مُسْلِمٍ ، أَوْ أَشْبَاهِهِ ، وَدَاخَلَتِ الْمُصَافَحَةُ حِينَئِذٍ الْمُوَافَقَةَ ، فَإِنَّ مَعْنَى الْمُوَافَقَةِ رَاجِعٌ إِلَى مُسَاوَاةٍ وَمُصَافَحَةٍ مَخْصُوصَةٍ ، إِذْ حَاصِلُهَا : أَنَّ بَعْضَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ رُوَاةِ إِسْنَادِكَ الْعَالِي سَاوَى أَوْ صَافَحَ
مُسْلِمًا ، أَوِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيَّ ، لِكَوْنِهِ سَمِعَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِمَا ، مَعَ تَأَخُّرِ طَبَقَتِهِ عَنْ طَبَقَتِهِمَا .
وَيُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَالِي الْمُخَرَّجَةِ لِمَنْ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي هَذَا النَّوْعِ ، وَطَبَقَتُهُمُ الْمُصَافَحَاتُ مَعَ الْمُوَافَقَاتِ ، وَالْأَبْدَالِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْعُلُوِّ عُلُوٌّ تَابِعٌ لِنُزُولٍ ، إِذْ لَوْلَا نُزُولُ ذَلِكَ الْإِمَامِ فِي إِسْنَادِهِ لَمْ تَعْلُ أَنْتَ فِي إِسْنَادِكَ .
وَكُنْتُ قَدْ قَرَأْتُ
بِمَرْوَ عَلَى شَيْخِنَا الْمُكْثِرِ
nindex.php?page=showalam&ids=14524أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْحَافِظِ الْمُصَنِّفِ
nindex.php?page=showalam&ids=14523أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، فِي أَرْبَعِي
nindex.php?page=showalam&ids=12842أَبِي الْبَرَكَاتِ الْفُرَاوِيِّ حَدِيثًا ادَّعَى فِيهِ أَنَّهُ كَأَنَّهُ سَمِعَهُ هُوَ أَوْ شَيْخُهُ مِنَ
الْبُخَارِيِّ ، فَقَالَ الشَّيْخُ
أَبُو الْمُظَفَّرِ : " لَيْسَ لَكَ بِعَالٍ ، وَلَكِنَّهُ
لِلْبُخَارِيِّ نَازِلٌ " . وَهَذَا حَسَنٌ لَطِيفٌ ، يَخْدِشُ وَجْهَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعُلُوِّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 261 ] الرَّابِعُ : مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ :
nindex.php?page=treesubj&link=29159الْعُلُوُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَقَدُّمِ وَفَاةِ الرَّاوِي : مِثَالُهُ ما أَرْوِيهِ عَنْ شَيْخٍ ، أَخْبَرَنِي بِهِ عَنْ وَاحِدٍ ، عَنِ
الْبَيْهَقِيِّ الْحَافِظِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ أَعْلَى مِنْ رِوَايَتِي لِذَلِكَ عَنْ شَيْخٍ ، أَخْبَرَنِي بِهِ عَنْ وَاحِدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13123أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَفٍ ، عَنِ
الْحَاكِمِ ، وَإِنْ تَسَاوَى الْإِسْنَادَانِ فِي الْعَدَدِ ، لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ
الْبَيْهَقِيِّ عَلَى وَفَاةِ
ابْنِ خَلَفٍ ; لِأَنَّ
الْبَيْهَقِيَّ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَمَاتَ
ابْنُ خَلَفٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ .
رُوِّينَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14251أَبِي يَعْلَى الْخَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلِيلِيِّ الْحَافِظِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، قَالَ : " قَدْ يَكُونُ الْإِسْنَادُ يَعْلُو عَلَى غَيْرِهِ بِتَقَدُّمِ مَوْتِ رَاوِيهِ ، وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْعَدَدِ " . وَمَثَّلَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ .
ثُمَّ إِنَّ هَذَا كَلَامٌ فِي الْعُلُوِّ الْمُنْبَنِي عَلَى تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ ، الْمُسْتَفَادِ مِنْ نِسْبَةِ شَيْخٍ إِلَى شَيْخٍ ، وَقِيَاسِ رَاوٍ بِرَاوٍ .
أَمَّا الْعُلُوُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ مُجَرَّدِ تَقَدُّمِ وَفَاةِ شَيْخِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى قِيَاسِهِ بِرَاوٍ آخَرَ ، فَقَدْ حَدَّهُ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ بِخَمْسِينَ سَنَةً .
[ ص: 262 ] وَذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ
أَبِي عَلِيٍّ الْحَافِظِ النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=13047أَحْمَدَ بْنَ عُمَيْرٍ الدِّمَشْقِيَّ - وَكَانَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ - يَقُولُ : إِسْنَادُ خَمْسِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِ الشَّيْخِ إِسْنَادُ عُلُوٍّ ، وَفِيمَا نَرْوِي عَنْ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ الْحَافِظِ ، قَالَ : " إِذَا مَرَّ عَلَى الْإِسْنَادِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَهُوَ عَالٍ " . وَهَذَا أَوْسَعُ مِنَ الْأَوَّلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29160الْعُلُوُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَقَدُّمِ السَّمَاعِ .
أُنْبِئْنَا عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرٍ الْحَافِظِ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْحَافِظِ ، قَالَ : " مِنَ الْعُلُوِّ تَقَدُّمُ السَّمَاعِ " .
قُلْتُ : وَكَثِيرٌ مِنْ هَذَا يَدْخُلُ فِي النَّوْعِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ ، وَفِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ ، بَلْ يَمْتَازُ عَنْهُ . مِثْلُ أَنْ يَسْمَعَ شَخْصَانِ مِنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ ، وَسَمَاعُ أَحَدِهِمَا مِنْ سِتِّينَ سَنَةً مَثَلًا ، وَسَمَاعُ الْآخَرِ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً . فَإِذَا تَسَاوَى السَّنَدُ إِلَيْهِمَا فِي الْعَدَدِ ، فَالْإِسْنَادُ إِلَى الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ سَمَاعُهُ أَعْلَى .
فَهَذِهِ أَنْوَاعُ الْعُلُوِّ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالْإِيضَاحِ الشَّافِي ، وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحَمْدُ كُلُّهُ .
[ ص: 263 ] وَأَمَّا مَا رُوِّينَاهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14508الْحَافِظِ أَبِي الطَّاهِرِ السِّلَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِهِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ :
بَلْ عُلُوُّ الْحَدِيثِ بَيْنَ أُولِي الْحِفْـ ـظِ وَالْإِتْقَانِ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ
وَمَا رُوِّينَاهُ عَنِ
الْوَزِيرِ نِظَامِ الْمُلْكِ مِنْ قَوْلِهِ : " عِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ الْعَالِيَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ بَلَغَتْ رُوَاتُهُ مِائَةً " ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعُلُوِّ الْمُتَعَارَفِ إِطْلَاقُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عُلُوٌّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَحَسْبُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .