النوع الخامس عشر :  معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد   
هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث ، هل تفرد به راويه أو لا ؟ وهل هو معروف أو لا ؟  
ذكر   أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ  رحمه الله أن طريق      [ ص: 83 ] الاعتبار في الأخبار مثاله : أن يروي   حماد بن سلمة  حديثا لم يتابع عليه ، عن  أيوب  ، عن   ابن سيرين  ، عن   أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .  
فينظر : هل روى ذلك ثقة غير  أيوب  عن   ابن سيرين  ؟ فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه ، وإن لم يوجد ذلك فثقة غير   ابن سيرين  رواه عن   أبي هريرة  ، وإلا فصحابي غير   أبي هريرة  رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه ، وإلا فلا .  
قلت : فمثال  المتابعة   أن يروي ذلك الحديث بعينه عن  أيوب  غير  حماد  ، فهذه المتابعة التامة ، فإن لم يروه أحد غيره عن  أيوب  لكن رواه بعضهم عن   ابن سيرين  أو عن   أبي هريرة  ، أو رواه غير   أبي هريرة  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا ، لكن تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها ، ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا .  
فإن لم يرو ذلك الحديث أصلا من وجه من الوجوه المذكورة ، لكن روي حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير متابعة .  
 [ ص: 84 ] فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ ، وينقسم عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود ، كما سبق .  
وإذا قالوا في مثل هذا : " تفرد به   أبو هريرة  ، وتفرد به عن   أبي هريرة   ابن سيرين  ، وتفرد به عن   ابن سيرين  أيوب  ، وتفرد به عن  أيوب   حماد بن سلمة     " ، كان في ذلك إشعار بانتفاء وجوه المتابعات فيه .  
ثم اعلم أنه قد يدخل في باب  المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده   ، بل يكون معدودا في الضعفاء ، وفي كتابي   البخاري  ومسلم  جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد ، وليس كل ضعيف يصلح لذلك ، ولهذا يقول   الدارقطني  وغيره في الضعفاء : " فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به " وقد تقدم التنبيه على نحو ذلك ، والله أعلم .  
مثال للمتابع والشاهد : روينا من حديث   سفيان بن عيينة  ، عن   عمرو بن دينار  ، عن   عطاء بن أبي رباح  ، عن   ابن عباس     : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "  لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به     " ورواه   ابن جريج  ، عن  عمرو  ، عن  عطاء  ، ولم يذكر فيه الدباغ .  
فذكر  الحافظ أحمد البيهقي  لحديث   ابن عيينة  متابعا وشاهدا :  
أما المتابع : فإن   أسامة بن زيد  تابعه عن  عطاء  ، وروى بإسناده عن  أسامة  ، عن  عطاء  عن  ابن   [ ص: 85 ] عباس     : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "  ألا نزعتم جلدها فدبغتموه ، فاستمتعتم به     " .  
وأما الشاهد : فحديث  عبد الرحمن بن وعلة  ، عن   ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "  أيما إهاب دبغ فقد طهر     " . والله أعلم .  
				
						
						
