النوع السادس عشر :  معرفة زيادات الثقات وحكمها   
وذلك فن لطيف تستحسن العناية به . وقد كان   أبو بكر بن زياد النيسابوري  ،  وأبو نعيم الجرجاني  ،  وأبو الوليد القرشي  الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث .  
ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه   الخطيب أبو بكر     : أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها ، سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه ناقصا مرة ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة ، أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا .  
خلافا لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقا ، وخلافا لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره . وقد قدمنا عنه حكايته عن أكثر أهل الحديث فيما إذا      [ ص: 86 ] وصل الحديث قوم وأرسله قوم : أن الحكم لمن أرسله ، مع أن وصله زيادة من الثقة .  
وقد رأيت  تقسيم ما ينفرد به الثقة   إلى ثلاثة أقسام :  
أحدها : أن يقع مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات ، فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ .  
الثاني : أن لا تكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ، ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا ، فهذا مقبول ، وقد ادعى  الخطيب  فيه اتفاق العلماء عليه ، وسبق مثاله في نوع الشاذ .  
الثالث : ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث .  
مثاله : ما رواه  مالك  ، عن  نافع  ، عن   ابن عمر     : "  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين     " .  
فذكر   أبو عيسى الترمذي  أن  مالكا  تفرد من بين      [ ص: 87 ] الثقات بزيادة قوله : " من المسلمين " .  
وروى   عبيد الله بن عمر  ،  وأيوب  ، وغيرهما هذا الحديث عن  نافع  عن   ابن عمر  دون هذه الزيادة ، فأخذ بها غير واحد من الأئمة واحتجوا بها ، منهم   الشافعي  وأحمد  ، رضي الله عنهم ، والله أعلم .  
ومن أمثلة ذلك حديث : "  جعلت لنا الأرض مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا     " . فهذه الزيادة تفرد بها   أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي  ، وسائر الروايات لفظها : "  وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا     " .  
فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام ، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص ، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم .  
ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما .  
 [ ص: 88 ] وأما  زيادة الوصل مع الإرسال   فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه ، ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث ، فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل . ويجاب عنه بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم ، والزيادة هاهنا مع من وصل ، والله أعلم .  
				
						
						
