الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " وأكره إمامة الفاسق ، والمظهر للبدع ، ولا يعيد من ائتم بهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو صحيح ، أصل الفسق الخروج من الشيء ، قال الله تعالى ففسق عن أمر ربه [ الكهف : 50 ] . أي خرج من طاعته ، والعرب تقول : فلان فاسق . إذا كان عريانا قد تجرد من أثوابه ، وتقول : فسقت الرطبة . إذا خرجت من قشرها : فالفاسق في دينه : هو الخارج من طاعة ربه عز وجل ، فكره إمامته ، ويمنع منها لقوله صلى الله عليه وسلم : يؤمكم أقرؤكم فأجهر بالفضل في الذكر ونبه على الفضل في غير الذكر ، فكأنه قال : أصلحكم ، وأودعكم ، وأرشدكم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليؤمكم خياركم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : انتقدوا أئمتكم انتقاد الدراهم والدنانير .

                                                                                                                                            فإذا تقرر أن إمامة الفاسق ممنوع منها فالفسق على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يخرجه من الملة ويباين به أهل الشريعة ، ويصير به كافرا ، كشارب الخمر بعينها ، ويعتقد إباحتها ، وتحليلها ، أو من زنى ، أو لاط مصرا لا يرى ذلك حراما ، ولا أنه عند الله عظيم ، وإذا استحل الأموال المحظورة استخفافا بحق الله سبحانه ، أو استباح سفك الدماء المحقونة اجتراء على الله تعالى ، فمن كان بهذه المثابة من الفسق فهو كافر ، وإمامته غير جائزة ، فمن ائتم به كان كمن ائتم بكافر على ما نذكر الحكم فيه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : من الفسق ما لا يخرج من الملة ، ولا يباين به أهل الشريعة ، وهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون في الفعل .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون في الاعتقاد . فالفاسق بفعله كشارب الخمر نادما ، والمقدم على [ ص: 329 ] المحظورات خائفا مستنفرا ، والفاسق باعتقاده كمن يرى سب الصحابة ، رضي الله عنهم ، وتكفيرهم كالخوارج وغيرهم .

                                                                                                                                            فهذان الضربان من الفسق لا يكون بهما كافرا ، وإمامة من هذا وصفه مكروهة ولا إعادة على من ائتم به .

                                                                                                                                            قال مالك : الفاسق بغير تأويل لا تجوز الصلاة خلفه ، وفي المتأول عنه روايتان .

                                                                                                                                            [ ص: 330 ] والدلالة على ما ذهبنا إليه رواية العلاء بن الحارث عن محكول ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الجهاد واجب عليكم مع أمير بر ، أو فاجر ، والصلاة واجبة عليكم خلف كل بر أو فاجر وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وروي أن ابن عمر وأنسا ، صلوا خلف الحجاج ، وكفى به فاسقا ، ولأن كل من صح أن يكون مأموما صح أن يكون إماما كالعدل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية