الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإن صلى قرب المسجد ، وقربه ما يعرفه الناس من أن يتصل بشيء بالمسجد ، لا حائل دونه فيصلي منقطعا عن المسجد ، أو فنائه على قدر مائتي ذراع ، أو ثلاثمائة ذراع ، أو نحو ذلك فإذا جاوز ذلك لم يجزه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال قد ذكرنا حكم المأموم إذا صلى مع إمامه في المسجد ، فالاعتبار في صحة صلاته بثلاث شرائط :

                                                                                                                                            أحدها : العلم بصلاة الإمام ، وطريق العلم بها من أحد أربعة أوجه مضت .

                                                                                                                                            والثاني : القرب وأبعده على وجه التقريب بثلاثمائة ذراع ، أو نحوها ، وذلك أبعد رمية سهم ، وغلط بعض أصحابنا فجعل الثلاثمائة ذراع حدا ، وليس بصحيح ، بل ذلك تقريب [ ص: 345 ] وأصله حراسة إحدى الطائفتين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه في صلاة الخوف ليدفعوا عنهم أذى عدوهم ، وأبعد أذاهم رمي السهام ، وغايته في الغالب ما ذكرنا .

                                                                                                                                            والثالث : أن لا يكون بينهما حائل ، فإن حال بينهما غير سور المسجد من جدار ، أو غيره بطلت صلاته ، وإن حال بينهما سور المسجد فقد ذهب أبو إسحاق المروزي إلى جواز صلاته ، وإن كان ذلك غير حائل يمنع من صحتها ، لأن سور المسجد من مصالحه وبعض من أبعاضه فصار كالسواري التي تحول بين من في المسجد وبين الإمام ، وذلك لا يمنع من صحة الصلاة ، وقال عامة أصحابنا وهو الصحيح : إن ذلك حائل يمنع من صحة الصلاة ، وكذلك أبوابه المغلقة سواء كانت مصمتة أو مشبكة ، لقول عائشة ، رضي الله عنها ، لنسوة صلين في سترة لا تصلين بصلاة الإمام ، فإنكن دونه في حجاب ، ولم يكن بين منزلها ، والمسجد إلا سور المسجد لأن باب منزلها كان ينفذ إليه ، فإذا كملت هذه الشرائط الثلاثة صحت صلاة من خارج المسجد على ما بينته ، وإن عدم شرط منها بطلت صلاتهم ، وقال عطاء بن أبي رباح ، والنخعي ، وحكي نحوه عن أنس ، والحسن البصري : يصلي بصلاة الإمام من علمها ، قريبا كان أو بعيدا ، حال بينهما حائل أم لا ، وهذا غلط ، وبما ذهبنا إليه قال به سائر الفقهاء ، والدلالة على صحته قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة : 9 ] . وما قاله من إيجاب السعي إليها إذا كان لهم سبيل العلم بها ، ولقوله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت عن علي عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد معناه : والله أعلم لا صلاة له في منزله بصلاة الإمام في المسجد ، وإلا فصلاته منفردا في منزله جائزة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : لو صليتم في بيوتكم لضللتم يعني : بصلاة الإمام ولقول عائشة ، رضي الله عنها ، للنسوة اللاتي صلين في منزلها : " لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب " .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية