الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله : " فإن صلى في دار قرب المسجد لم يجزه إلا بأن تتصل الصفوف ولا حائل بينه وبينها ، فأما في علوها فلا يجزئ بحال لأنها بائنة من المسجد ، وروي عن عائشة أن نسوة صلين في حجرتها ، فقالت : لا تصلين بصلاة الإمام ، فإنكن دونه في حجاب " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا صلى رجل في دار تجاور المسجد بصلاة الإمام [ ص: 348 ] في المسجد لم يجز إلا أن تتصل الصفوف من المسجد إلى الطريق ، ومن الطريق إلى الدهليز ، ومن الدهليز إلى صحن الدار فتكون حينئذ صلاة من في الصحن وصلاة من وراءهم جائزة ، وصلاة من تقدمهم ووقف أمامهم باطلة : لأن من تقدمهم ليس بتابع لهم ، فأما صلاة من في علو الدار وسورها فباطلة بكل حال ، لتعذر اتصال الصفوف ، وإنما جوزنا صلاة من في الدار إذا اتصلت به الصفوف لرواية أنس بن مالك أن الناس كانوا يصلون في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الإمام في المسجد .

                                                                                                                                            وروي أن الناس كانوا يصلون في المسجد بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته ، فلو كانت الدار تلاصق المسجد ليس بينهما إلا سور فصلى بها قوم بصلاة الإمام في المسجد ، والصفوف غير متصلة فعلى مذهبأبي إسحاق صلاتهم جائزة ، لأنه يقول : إن سور المسجد ليس بحائل .

                                                                                                                                            وقال سائر أصحابنا وهو الصحيح : صلاتهم باطلة ، لما روي أن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت للنسوة اللاتي صلين في حجرتها لا تصلين بصلاة الإمام ، فإنكن دونه في حجاب ، ولم يكن بين حجرتها وبين المسجد إلا سوره ، فلو اتصلت الصفوف من سطح المسجد إلى سطح الدار الملاصقة كانت صلاتهم جائزة ، ولا وجه لقول من أبطلها : لأن اتصال الصفوف مع العلم بالصلاة يوجب صحة الائتمام ، كما لو اتصلت الصفوف في أرض المسجد إلى من في الدار .

                                                                                                                                            قال الشافعي : ولو صلى رجل على جبل الصفا ، أو جبل المروة ، أو على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد الحرام جاز : لأن كل ذلك متصل ، وهو في العرف غير منقطع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية