مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وما سها عنه من تكبير سوى تكبيرة الافتتاح ، أو ذكر في ركوع أو سجود ، أو في جهر فيما يسر بالقراءة ، أو أسر فيما يجهر فلا سجود للسهو إلا في عمل البدن " .
قال الماوردي : وهو كما قال ، أما قصد الشافعي بهذه المسألة بيان ما يجب له سجود السهو ، وجملته ضربان :
أحدهما : ما وجب لزيادة ، فمثل أن يتكلم ناسيا ، أو يركع ركوعين ، أو يقوم إلى خامسة ، أو يتشهد في ثالثة ناسيا في كل ذلك ، فصلاته جائزة ، وعليه سجود السهو .
أصله قصة ذي اليدين .
وأما ما وجب لنقصان فهو أن يترك ما أمر بفعله ، وذلك على ثلاثة أضرب :
أحدهما : ما كان ركنا مفروضا .
" قراءة الفاتحة " ، والركوع ، والسجود ، والتشهد الأخير فيلزمه الإتيان به على ما ذكرنا ، ثم يسجد للسهو ، فأما تكبيرة الإحرام فركن مفروض غير أنه إن تركها بطلت صلاته ، ولزمه استئناف النية والإحرام ، لأن تكبيرة الإحرام تمنع من انعقاد الصلاة .
[ ص: 226 ] والضرب الثاني : ما كان مسنونا مقصودا في نفسه ، وليس يمنع لمحله ، وذلك التشهد الأول ، والقنوت في الصبح ، والقنوت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان ، فإن ترك شيئا من ذلك فصلاته جائزة ، وعليه سجود السهو ، فأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأولى فعلى قولين :
أحدهما : سنة فيسجد لتركها سجود السهو في أصح الوجهين .
والقول الثاني : ليس بسنة فلا سجود لتركها .
والضرب الثاني : ما كان هيئة لفعل ، أو تبعا لمحل ، فأما ما كان تبعا لمحل ، كالتوجه ، والاستعاذة ، وقراءة السورة بعد الفاتحة ، وتكبيرات الركوع والسجود ، والدعاء بين السجدتين ، فهذا كله تبع لمحله ، وليس بمقصود في نفسه ، وما كان هيئة لفعل كرفع اليدين ، ووضع اليمنى على اليسرى ، والافتراش في الجلوس الأول ، والتورك في الجلوس الثاني ، والجهر فيما يسر ، والإخفاء فيما يجهر ، وهذا كله ونظائره لا يوجب سجود السهو ، ووافقنا أبو حنيفة في جميعه إلا في ثلاثة أشياء أوجب فيها سجود السهو ، وهي قراءة السورة بعد الفاتحة ، والجهر فيما يسر ، والإسرار فيما يجهر إذا كان المصلي إماما ، وتكبيرات العيدين .
وقال مالك : يجب سجود السهو في ترك تكبيرات الركوع والسجود تعلقا برواية ثوبان : " لكل سهو سجدتان " .
والدلالة على أن لا سجود في الجهر والإسرار رواية أبي قتادة ، وأنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بفاتحة الكتاب ، وسورة ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ، وكان يسمع أحيانا للآية والآيتين .
فدل على أن الجهر فيما يسر لا يوجب سجود السهو .
وروي عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أنه أسر بالقراءة في صلاة المغرب فلما فرغ قيل له في ذلك ، قال : " فلا بأس إذا " ، فدل على أن الإسرار فيما يجهر لا يوجب سجود السهو ، ولأنه صفة للقراءة فاقتضى أن لا يوجب سجود السهو كالمنفرد .
والدلالة على أن لا سجود في تكبيرات العيدين هو أنه تكبير في الصلاة فوجب أن لا يلزم فيه سجود السهو ، وقياسا على تكبيرات سائر الصلوات ، والدلالة على أن لا سجود في قراءة السورة هو أنه ذكر مفعولا في حال الانتصاب على وجه التبع ، فوجب أن لا يلزم فيه سجود السهو كالتوجه والاستعاذة ، فأما حديث ثوبان فمخصوص بالإجماع على سهو دون سهو ، فلم يصح الاحتجاج بظاهره سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه فأما قول الشافعي : " ولا سجود إلا في عمل البدن " : أراد به لا سجود في [ ص: 227 ] الذكر إلا أن يكون الذكر مقصودا به عمل البدن كالتشهد الأول ، لأن القعود فيه من أجله والله تعالى أعلم .


