مسألة : قال  الشافعي   ، رضي الله عنه : " ويفرك المني فإن صلى به ، ولم يفركه فلا بأس لأن  عائشة  ، رضي الله عنها ، قالت : "  كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يصلي فيه      " وروي  عن  ابن عباس   أنه قال : أمطه عنك بإذخرة ، فإنما هو كبصاق ، أو مخاط     " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال  المني طاهر   في أصل خلقه ، وعلى كل أحواله ، وهذا مذهب  الشافعي   ، وبه قال من الصحابة  عائشة  ،  وابن عباس   ، ومن التابعين  سعيد بن المسيب   ،  وعطاء      .  
وقال  أبو حنيفة      : المني نجس في جميع حالاته إلا أنه إن كان يابسا طهر بالفرك وإن كان رطبا طهر بالغسل .  
وقال  مالك      : المني طاهر في أصل خلقه ، وإنما تنجس في ظهوره بمروره في الذكر بمر الأنجاس ، ولا يطهر إلا بالغسل رطبا كان أو يابسا .  
 [ ص: 252 ] واستدلوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  إنما  يغسل المني ، والدم ، والبول   فدل جمعه بينهم في الحكم على إجماعه في النجاسة ؟ وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال  لعائشة  ، رضي الله عنها :  اغسليه رطبا ، وافركيه يابسا     .  
ولأنه مائع ينقض الطهارة فأشبه البول ، ولأنه خارج يوجب الغسل ، فأشبه دم الحيض ، ولأنه مائع يخرج على وجه اللذة فأشبه المذي ، ولأن المني في الأصل دم استحال ، ويستحيل دما في ثاني حال فوجب أن يكون نجسا إلحاقا بأحد طرفيه ، وهذا خطأ .  
والدلالة على صحة ما ذكرناه قوله تعالى :  وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا      [ الفرقان : 54 ] . فأطلق على المني اسم الماء ، فوجب أن ينطلق عليه حكمه في الطهارة .  
وروى  شريك   ، عن  ابن أبي ليلى   ، عن  عطاء   ، عن  ابن عباس   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المني :  أمطه عنك بإذخرة ، فإنما هو كبصاق ، أو مخاط  فشبهه بالبصاق الطاهر في حكمه ، وأمر بإماطته بالإذخرة ، والأنجاس لا تطهر بالحشائش ، فدل من هذين الوجهين على طهارته .  
وروى  القاسم بن محمد   ، عن  عائشة  ، رضي الله عنها أنها قالت :  كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يصلي فيه  وهذا دليل على  مالك   ، لأن  أبا حنيفة   يجيز فركه يابسا ، وروى  ميمون بن مهران   ، عن  ابن عباس   ، عن  عائشة  ، رضي الله عنها ، قالت :  كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فيه  وهذا دليل عليهما ، لأن  أبا حنيفة   يرى أن فرك المني بعد الإحرام يمنع من انعقاد الصلاة .  
 [ ص: 253 ] وروى  عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي   ، عن  عائشة  ، رضي الله عنها ، قالت :  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ، ثم يصلي فيه ، ويحته من ثوبه يابسا ، ثم يصلي فيه  وهذا آخر دلالة عليهما ، ولأن كل ما لا يجب غسله يابسا لا يجب غسله رطبا .  
أصله : سائر الطاهرات ، ولأنه أصل خلق الإنسان ، فوجب أن يكون طاهرا كالطين ، ولأنه متولد من حيوان طاهر فوجب أن يكون طاهرا كالبيض ، ولأنه مائع ينشر الحرمة ، فوجب أن يكون طاهرا كاللبن " ، فإن قيل : المني لا ينشر الحرمة ، قيل : إذا استدخلت الماء لزمتها العدة ، وحرمها ما بقيت في عدتها ، فأما أخبارهم إن صحت فمحمولة على الاستحباب .  
وأما قياسهم على البول ، فالمعنى فيه : كونه نجسا ، ووجوب غسل يابسه كوجوب غسل رطبه .  
وأما قياسهم على غسل دم الحيض ، بعلة أنه موجب للغسل فليس الدم موجبا للغسل ، وإنما انقطاع الدم يوجبه ، وأما قولهم : إنه دم استحال فغير منكر أن يستحيل منيا كما يستحيل لبنا طاهرا ، قال الله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين      [ النحل : 66 ] .  
				
						
						
