مسألة : القول في عدد الركعات  
مسألة : قال  المزني      : " قلت أنا في كتاب اختلافه  ومالك      : قلت  للشافعي      : يجوز أن يوتر بواحدة ليس قبلها شيء ؟ قال : نعم ، والذي أختاره ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ، والحجة في الوتر بواحدة السنة والآثار . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :  صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى  وعن  عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ، وأن  ابن عمر   كان يسلم بين الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته ، وأن  عثمان   كان يحيي الليل بركعة هي وتره ، وعن  سعد بن أبي وقاص   أنه كان يوتر بواحدة ، وأن  معاوية   أوتر بواحدة ، فقال  ابن عباس   أصاب ، ( قال  المزني      ) : قلت أنا : فهذا به أولى من قوله يوتر بثلاث ، وقد أنكر على  مالك   قوله : لا يحب أن يوتر بأقل من ثلاث ، ويسلم بين الركعة والركعتين من الوتر . واحتج بأن من سلم من اثنتين فقد فصلهما مما بعدهما ، وأنكر على الكوفي أن يوتر بثلاث كالمغرب ، فالوتر بواحدة أولى به . ( قال  المزني      ) : ولا أعلم  الشافعي   ذكر  موضع القنوت من الوتر   ويشبه قوله بعد الركوع كما قال في قنوت الصبح ، ولما كان من رفع رأسه بعد الركوع يقول : " سمع الله لمن حمده " . وهو دعاء كان هذا الموضع بالقنوت الذي هو دعاء أشبه ، ولأن من قال : يقنت قبل الركوع يأمره أن يكبر قائما ثم يدعو ، وإنما حكم من كبر بعد القيام إنما هو للركوع فهذه تكبيرة زائدة في الصلاة لم تثبت بأصل ولا قياس " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال .  
أقل الوتر   عندنا ركعة واحدة وأكثره أحد عشر ركعة ، فإن أوتر بركعة ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع ، أو إحدى عشرة موصولة بتسليمة أجزأه ، أو مفصولة بتسليمتين جاز ، وأفضل ذلك إحدى عشرة ركعة مفصولة بتسليمتين ، يسلم من كل اثنتين ، ويوتر بالأخيرة ، وهو مذهب  أبي بكر   ،  وعمر   ،  وعثمان   ،  وسعد بن أبي وقاص   ،  وابن عمر   ،  وعبد الله بن عباس   ، وكثير من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يحصى عددهم .  
وقال  مالك      : أقل الوتر ثلاثة لكن بتسليمتين .  
 [ ص: 294 ] وقال  أبو حنيفة      : الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة لا تجوز الزيادة عليها ولا النقصان منها ، وبه قال  علي   ،  وابن مسعود   ، وجماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، تعلقا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  المغرب وتر النهار فصلوا وتر الليل  فأمر أن يكون الوتر على صفة صلاة المغرب ، وبما روى  ابن مسعود   أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة البتراء ركعة واحدة : وبما روي عن  ابن مسعود   ، وربما وصلوه برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أجزأت ركعة قط " . قالوا : ولأن كل قدر لا يصح أن يكون وترا قياسا على بعض ركعة .  
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية  ابن عمر   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة     .  
وروي عن  ابن عمر   أنه كان يوتر بركعة واحدة ويقول هذا وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وأبي بكر   ،  وعمر   ، رضي الله عنهما .  
وروى  عطاء بن يزيد الليثي   ، عن  أبي أيوب الأنصاري   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  الوتر حق على كل مسلم ، وليس بواجب من أحب أن يوتر بثلاث فليوتر ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر  فكان في هذا الحديث دلالة على ثلاثة أشياء على أن الوتر سنة ، وعلى أن الركعة تجزئ وأن الزيادة على الثلاث سائغ .  
وروي عن  الزهري   ، عن  عائشة  ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل اثنتين ، ويوتر بواحدة .  
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  إن الله سبحانه وتر يحب الوتر  فدل ما رويناه قولا ، وفعلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ، رضي الله عنهم ، على ما ذكرناه ، ولأن كل عدد كان صلاة جاز أن يكون شطره صلاة كالأربع ، ولأن أقل نوعي العدد فجاز أن يكون صلاة ، كالشفع الذي أقله ركعتان ، ولأن ما جاز أن يفعل بين التشهدين جاز أن يكون صلاة كالركعتين .  
فما تعلقهم بما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  المغرب وتر النهار فصلوا وتر الليل  فحديث مجهول لا يعرفه أحد من الرواة ، وأصحاب الحديث ، فإن سلم لهم جاز أن يكون معناه اشتراكهما في الأفراد دون الأزواج ، لأنه أراد بذلك تساويهما في العدد ، لأنه لما كان افتراقهما في غير العدد إذا صح التشريك بينهما ، والوجه الذي ذكرناه على أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعارضه أنه قال :  لا توتروا بثلاثة ، ولا تشبهوا بالمغرب وأوتروا بخمس ، أو تسع  وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة البتراء ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ما أجزأت ركعة قط " فمحمول على الفرض بدليل ما رويناه من فعله ، وقوله صلى الله عليه وسلم .  
 [ ص: 295 ] فأما قياسهم على بعض الركعة ، فالوصف به غير مسلم لهم ، لأن الركعة قد تكون فرضا إذا نذرها على أن المعنى في بعض الركعة أن اسم الصلاة لا ينطلق عليها ، ولا يصح أن يكون قربة بانفراده ، فلذلك لم يجز .  
فأما قول  مالك   إن أقله ثلاث بسلامين فلا وجه له ، لأنا لا نجد في الشرع صلاة لا يكون السلام فيها قطعا ، فإن كان  مالك   يعني بقوله إنها ثلاث لا يجزئ أقل منها ، فينبغي أن تكون موصولة كقول  أبي حنيفة   ، وإن زعم أن الوتر هي المفردة فهو كقولنا ، ثم الذي يدل على ما قلناه اتفاق الجميع على أن الثلاث ركعات يجهر فيها كلها بالقراءة ، فلو كان حكمها حكم الصلاة الواحدة لكان من حكمها أن ليس في الثلاثة كسائر الصلوات فيما بعد الركعتين ، وكالمغرب ، فبان بهذا أن الركعة المفردة لها حكم نفسها لا تفتقر إلى ما تقدمها ، وإن وصل ذلك بها لم يقدح في صحتها ، فإن قيل : فإذا كان الوتر عندكم ركعة فلم لا كانت الزيادة تبطلها كسائر الصلوات ، قيل : لظهور الخلاف فيها ، وورود السنة بالزيادة عليها .  
وروي عن  هشام بن عروة   ، عن أبيه ، عن  عائشة  ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يوتر منهن بخمس لا يجلس إلا في الخامسة .  
فأما  المزني   ، فإنه لما نظر إلى  الشافعي   قد قال في مواضع يوتر بثلاث ، وحكي عن  أهل  المدينة    أنهم يوترون بثلاث ظن أن هذا قول له ثان ، وليس الأمر كما ظنه بل لا يختلف مذهب  الشافعي   أن الوتر واحدة .  
				
						
						
