الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا صلى الإمام في سفينة والمأموم في أخرى وهي مسألة الكتاب فلا يخلو حال السفينتين من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن يكونا مغطاتين ، أو مكشوفتين ، أو إحداهما مغطاة والأخرى مكشوفة ، فإن كانتا مغطاتين ، أو إحداهما لم تصح صلاة المأموم في السفينة الأخرى ، كما لو صلى الإمام في دار والمأموم في أخرى ، وإن كانتا مكشوفتين أو كانا على ظهر سفينتين مغطاتين فلا يخلو حالهما من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكونا مشدودتين ، أو مرسلتين ، فإن كانت كل واحدة من السفينتين مشدودة بالأخرى صارتا كالسفينة الواحدة ، وصحت صلاة المأموم ، وإن كانتا مرسلتين ليس فيهما ربط ، ولا شداد .

                                                                                                                                            فمذهب الشافعي أن صلاة المأموم في السفينة الأخرى جائزة إذا علم بصلاة الإمام ، وكان بينهم قرب ، وكان اعتبار القرب من موقف الإمام إن كان وحده أو من آخر صف من ائتم به إن كان في جماعة ، وكذلك لو صلى في سفينة والمأموم على الشط ، أو الإمام على الشط والمأموم في سفينة ، أو الإمام في أحد جانبي نهر والمأموم في الجانب الآخر ، فصلاة المأموم جائزة إذا علم بصلاة إمامه وكان بينهما قرب ، وليس الماء حائلا يمنع من صحة الصلاة : سواء كان راكدا أو جاريا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ، وهو قول أبي سعيد الاصطخري من أصحابنا : إن الماء حائل يمنع من صحة الصلاة ، لأنه لما منع من الإقدام عليه فيه كان حائلا كالحائط ، وهذا خطأ : لأن الحائل ما اتخذ حائلا ومنع من المشاهدة ، والماء ليس بحائل ، وإنما لا يقدم عليه خوفا من الهلاك ، فصار كالنار والحسك الذي يمنع من الإقدام عليه خوف الهلاك ، ولا يمنع من صحة الائتمام بالإجماع ، ولو جاز أن يكون الماء حائلا : لأنه يمنع من الإقدام عليه لوجب أن يقع الفرق بين السابح وغيره ، فلا يكون حائلا للسابح : لأنه يمكنه الإقدام عليه ويكون حائلا لغير السابح : لأنه لا يمكنه الإقدام عليه ، وفي إجماعهم على أن ذلك غير معتبر دليل على أن الماء غير حائل والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية