مسألة : قال  الشافعي   ، رحمه الله تعالى : " وإن أحرم ينوي القصر ، ثم نوى المقام أتمها أربعا ، ومن خلفه من المسافرين " .  
قال  الماوردي      : وهذه المسألة تشتمل على فصلين :  
أحدهما : أن  المسافر إذا استفتح الصلاة بنية القصر ، ثم نوى المقام   فإنه يلزمه إتمام الصلاة ، ولا يجوز له قصرها .  
وقال  مالك      : لا يجوز أن يبني على التمام بنية القصر ، وإن كان قد صلى ركعة ضم إليها أخرى ، وكانت نافلة ، ثم استفتح صلاة الإقامة أربعا ، وهذا غلط ، والدلالة على صحة صلاته ووجوب إتمامها أربعا أن القصر رخصة سببها السفر ، فوجب إذا زال سببها ، وهو السفر أن تزول رخصة القصر ، كالمريض يصلي قاعدا لعجزه ، ثم يلزمه القيام لزوال مرضه ، وكالأمة تصلي مكشوفة الرأس لرقها ، ثم يلزمها تغطية رأسها لعتقها .  
فإن قيل : فهلا قلتم إن له أن يصلي قصرا اعتبارا بحال الإحرام كالمتيمم إذا وجد الماء ، قيل : الفرق بينهما يمنع من الجمع بين حكمهما ، وهو أن  خروج المتيمم من صلاته لاستعمال الماء   يبطل عليه ما مضى فلذلك لم يلزمه ، ومن  نوى الإقامة إذا أتم لم يبطل عليه ما مضى من صلاته   ، فجاز أن يلزمه التمام ، ولأنها صلاة تتم ، وتقصر فوجب إذا زال سبب قصرها أن يلزمه البناء على التمام . أصله إذا أحرم الجمعة ، ثم خرج وقتها .  
والفصل الثاني : أن المسافر إذا صلى خلف مقيم وجب على المسافر أن يتم صلاته أربعا ، وبه قال  أبو حنيفة   ،  ومالك      .  
وقال  داود بن علي   ، وهو قول  الشعبي   وطاوس      : أن المسافر يقصر ، ولا يلزمه التمام بصلاته خلف مقيم .  
لأنه لو وجب على المسافر أن يتم إذا صلى خلف مقيم اعتبارا بحال إمامه لجاز للمقيم أن يقصر إذا صلى خلف مسافر اعتبارا بحال إمامه ، فلما لم يجز للمقيم أن يقصر الصلاة خلف المسافر اعتبارا بحال نفسه وجب أن لا يلزم المسافر أن يتم الصلاة خلف المقيم اعتبارا بحال نفسه ، ولأنه مؤد للصلاة في السفر فجاز أن يقصرها كالمنفرد .  
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم :  إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا     .  
 [ ص: 381 ] وقال  ابن عباس      : إن صلينا معكم صلينا أربعا وإن صلينا في بيوتنا صلينا ركعتين ذلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .  
ولأنه مؤتم بمقيم ، فوجب أن يلزمه التمام كمن يصلي الجمعة خلف من يصلي الظهر .  
فأما الجواب عن قولهم : لو وجب على المسافر أن يتم خلف المقيم لجاز للمقيم أن يقصر خلف المسافر .  
فهو أن يقال : الإتمام عزيمة ، والقصر رخصة على صفته فلم يجز للمقيم ترك العزيمة ، والأخذ بالرخصة تبعا لإمامه ووجب على المسافر ترك الرخصة ، والأخذ بالعزيمة تبعا لإمامه عند عدم الصفة ، وأما قياسهم على المنفرد فالمعنى فيه أنه غير مؤتم بمتمم ، فلذلك جاز له القصر .  
				
						
						
