مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله تعالى : " وأيها جمع فيه فبدأ بها بعد الزوال فهي الجمعة وما بعدها فإنما هي ظهر يصلونها أربعا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده صلوا في مسجده ، وحول  المدينة   مساجد لا نعلم أحدا منهم جمع إلا فيه ، ولو جاز في مسجدين لجاز في مساجد العشائر " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال .  
إذا أقيمت جمعتان في مصر واحد قد منع أهله من إقامة جمعتين فيه فلهما حالان :  
أحدهما : أن تتفق أوصافهما . والثاني : أن تختلف .  
فإن اتفقت أوصافهما فكانا سواء في الكثرة ، وإذن السلطان ، أو حضور نائب عنه ، أو لم يأذن لهم السلطان ، ولا حضر من ينوب عنه ، فهما حينئذ في الأوصاف سواء ، فيعتبر السبق ، ولا يخلو حالهما في السبق من أربعة أقسام :  
أحدها : أن يكونا فيه سواء .  
والثاني : أن يسبق أحدهما الآخر فيتعين .  
والثالث : أن يعلم أن أحدهم قد سبق وقد أشكل .  
والرابع : أن لا يعلم هل صليا معا أو كان أحدهم أسبق .  
فالقسم الأول :  أن يستويا فلا يسبق أحدهما الآخر      : فقد بطلت الجمعتان معا ، وعليهم إقامة الجمعة قولا واحدا لا يختلف ، وإنما بطلتا معا لأنه لما صح إقامتها ولم يكن أحدهما أولى من الآخر أبطلناهما معا ، كمن تزوج أختين في حاله .  
والقسم الثاني :  أن يسبق أحدهما   ويتعين فالجمعة للسابق ، ويعيد الآخر ظهرا أربعا : لأن انعقاد الجمعة للسابق يمنع من انعقادها للثاني ، كالوليين إذا أنكحا وسبق بالعقد أحدهما .  
والقسم الثالث :  أن يسبق أحدهما ويشكل السابق منهما   فعليهما جميعا إعادة الصلاة ،      [ ص: 450 ] وقال  المزني      : لا إعادة عليهما لحصول الجمعة لهما في الظاهر ، فلم يجز إبطالها بالشك الطارئ وهذا خطأ : لأن اليقين ثبوت الجمعة في الذمة ، والشك طارئ في سقوطها عن الذمة ، فوجب أن يكون الفرض باقيا لا يسقط إلا بيقين .  
فإذا ثبت أن الإعادة واجبة عليهما فهل يعيدان جمعة أو ظهرا ؟ على قولين نص عليهما في كتاب الأم :  
أحدهما : عليهم إعادة الجمعة : لأن فرضها لم يسقط .  
والقول الثاني : عليهم إعادة الظهر : لأن الجمعة قد أقيمت مرة ، وليس جهلنا بأيهما الجمعة جهلا بأن فيهما جمعة ، وإذا أقيمت الجمعة مرة واحدة لم يجز إقامتها ثانية .  
والقسم الرابع :  أن يشكل الأمر فيهما ، فلا يعلم هل صليا معا أو سبق أحدهما الآخر   ، فعليهما جميعا إعادة الجمعة قولا واحدا ، لجواز أن يكونا قد صليا معا ، فلا تنعقد الجمعة لواحد منهما .  
فصل : وإذا اختلفت أوصافهما فكان أحدهما أعظم لحضور السلطان أو من يستنيبه فلا يخلو حالهما في السبق من أربعة أقسام :  
أحدها : أن يسبق الأعظم ثم يتلوه الأصغر : فالجمعة للأعظم السابق ، ويعيد الأصغر ظهرا أربعا .  
والقسم الثاني : أن يسبق الأصغر ثم يتلوه الأعظم ففيه قولان :  
أحدهما : أن الجمعة للأصغر السابق ، لأن السلطان ليس بشرط في انعقادها ، فلم يكن حضوره مؤثرا ، ووجب اعتداد الجمعة للأسبق منهما ، فعلى هذا يعيد أهل الأعظم .  
والقول الثاني : أن الجمعة للأعظم وإن كان مسبوقا : لأن في تصحيح جمعة الأصغر إذا كان سابقا افتياتا على السلطان ، وتعطيلا لجمعته ، وإشكالا على الناس في قصد ما تصح به الجمعة ، ولأدى ذلك إلى إفساد الصلاة بالمبادرة إلى السبق طمعا في حصول الجمعة ، ولكان ذلك مؤديا إلى أنه لو اجتمع أربعون فأقاموا الجمعة في مسجد لا تظهر إقامتها ظهورا عاما أن يمتنع السلطان وباقي الناس من إقامتها ، فلهذه الأمور المفضية إلى الفساد وجب تصحيح جمعة الأعظم وإن كان مسبوقا .  
والقسم الثالث : أن يصلياها معا ولا يسبق أحدهما الآخر فعلى القولين :  
أحدهما : أن الجمعة للأعظم وعلى أهل الأصغر أن يعيدوا ظهرا أربعا .  
والقول الثاني : أن لا جمعة لواحد منهما ، وعليهم أن يستأنفوا إقامتها فيه ثانية .  
 [ ص: 451 ] القسم الرابع : أن يسبق أحدهما ويشكل : فأحد القولين الجمعة للأعظم إذا اعتبرنا حضور السلطان دون السبق . والقول الثاني : لا جمعة لواحد منهما إذا اعتبرنا السبق ، فعلى هذا تلزمهم الإعادة ، قولا واحدا لجواز أن يكونا قد صليا معا .  
فصل : فأما ما يعتبر في السبق ففيه وجهان :  
أحدهما : وهو قول  أبي إسحاق   وذكره  المزني   في " جامعه " أن اعتبار السبق : بالإحرام ، فأيهما أحرم أولا كان سابقا وإن كان الآخر أسبق سلاما : لأن الجمعة تنعقد بالإحرام ، وإذا انعقدت به منعت من انعقاد غيرها .  
والوجه الثاني : أن الاعتبار بالسلام ، فأيهما سلم أولا كان سابقا وإن كان الأخير أسبق إحراما : لأن سقوط الفروض يكون بصحة الأداء ، وذلك يكون بالفراغ دون الإحرام . والأول أصح .  
				
						
						
