الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولو رأوا سوادا أو جماعة أو إبلا فظنوهم عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف يومئون إيماء ثم بان لهم أنه ليس عدوا أو شكوا أعادوا وقال في الإملاء : لا يعيدون لأنهم صلوا والعلة موجودة . ( قال المزني ) : قلت أنا : أشبه بقوله عندي أن يعيدوا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا أن صلاة شدة الخوف بالإيماء رخصة للضرورة والعجز ، فإذا كانوا في أرض العدو فرأوا سوادا مقبلا أو إبلا سائرة فظنوا أن العدو قد أظلهم فصلوا صلاة شدة الخوف إيماء إلى قبلة وإلى غيرها ، ثم بان لهم خلاف ما ظنوا ففي وجوب الإعادة عليهم قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في الإملاء لا إعادة عليهم ؛ لأن الله تعالى أباح هذه الصلاة عند وجود الخوف لا عند وجود العدو ، وقد كان الخوف المبيح موجودا وإن كان العدو معدوما .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الأم : عليهم الإعادة وهو الصحيح ؛ لأن ما كان من أفعال الصلاة وشرائطها فتركه على وجه السهو والخطأ كتركه عمدا في الإيجاب وقد ترك استقبال القبلة واستيفاء الركوع والسجود خاطئا فوجب أن يكون للصلاة قاضيا .

                                                                                                                                            قال أصحابنا : ولو كان ببلاد الإسلام فرأوا سوادا فظنوا عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان لهم أنه غير عدو فعليهم الإعادة قولا واحدا : لأن ظنهم في أرض العدو أقوى من ظنهم في بلاد الإسلام فهذا قولهم ولم أر من أصحابنا من خالف ولا وجه للشافعي يعضده أو يعارضه إلا الحجاج وأنه يقتضي تسوية الحكم في الحالين .

                                                                                                                                            فلو غشيهم العدو فظنوا أنه لا مانع منه فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان لهم أن بينهم وبين العدو نهرا أو جيشا حائلا من المسلمين مانعا ففي وجوب الإعادة عليهم قولان ، ولكن [ ص: 473 ] لو صلوا كصلاة ذات الرقاع أو عسفان أو بطن النخل في هذه المسألة ومسألة الكتاب فلا إعادة عليهم قولا واحدا ؛ لأنهم لم يسقطوا فرضا ولا غيروا ركنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية