المسألة الثالثة : احتجت المعتزلة بهذه الآية على فساد قول أهل السنة في قولهم : إن المقتول لو لم يقتل لوجب أن يموت . فقالوا : إذا كان الذي يقتل يجب أن يموت لو لم يقتل ، فهب أن شرع القصاص يزجر من يريد أن يكون قاتلا عن الإقدام على القتل ، لكن ذلك الإنسان يموت سواء قتله هذا القاتل أو لم يقتله ، [ ص: 50 ] فحينئذ لا يكون مفضيا إلى حصول الحياة . شرع القصاص
فإن قيل : إنا إنما نقول فيمن قتل لو لم يقتل كان يموت لا فيمن أريد قتله ولم يقتل فلا يلزم ما قلتم ، قلنا أليس إنما يقال فيمن قتل لو لم يقتل كيف يكون حاله ؟ فإذا قلتم : كان يموت فقد حكمتم في أن من حق كل وقت صح وقوع قتله أن يكون موته كقتله ، وذلك يصحح ما ألزمناكم ؛ لأنه لا بد من أن يكون على قولكم المعلوم أنه لو لم يقتله ؛ إما لأنه منعه مانع عن القتل ، أو بأن خاف قتله أنه كان يموت وفي ذلك صحة ما ألزمناكم ، هذا كله ألفاظ القاضي .
أما قوله تعالى : ( ياأولي الألباب ) فالمراد به العقلاء الذين يعرفون العواقب ويعلمون جهات الخوف ، فإذا أرادوا الإقدام على قتل أعدائهم ، وعلموا أنهم يطالبون بالقود صار ذلك رادعا لهم ؛ لأن العاقل لا يريد إتلاف غيره بإتلاف نفسه فإذا خاف ذلك كان خوفه سببا للكف والامتناع ، إلا أن هذا الخوف إنما يتولد من الفكر الذي ذكرناه ممن له عقل يهديه إلى هذا الفكر ، فمن لا عقل له يهديه إلى هذا الفكر لا يحصل له هذا الخوف ، فلهذا السبب خص الله سبحانه بهذا الخطاب أولي الألباب .